له تعالى أدخل في التوبيخ على اتخاذ أولياء من دونه سبحانه وتعالى من تحقيق سجودهم له تعالى اه ؛ وفي تلك الأقوال بعد ما لا يخفى على الناقد البصير.
(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تحقيق كما قال بعض المحققين لأن خالقهما ومتولي أمرهما مع ما فيهما على الإطلاق هو الله تعالى ، وقيل : إنه سبحانه بعد أن ذكر انقياد المظروف لمشيئته تعالى ذكر ما هو كالحجة على ذلك من كونه جل وعلا خالق هذا الظرف العظيم الذي يبهر العقول ومدبره أي قل يا محمد لهؤلاء الكفار الذين اتخذوا من دونه أولياء من رب هذه الإجرام العظيم العلوية والسفلية؟ (قُلِ اللهُ) أمر صلىاللهعليهوسلم بالجواب إشعارا بأنه متعين للجوابية فهو عليه الصلاة والسلام والخصم في تقريره سواء ، ويجوز أن يكون ذلك تلقينا للجواب ليبين لهم ما هم عليه من مخالفتهم لما علموه ، وقيل : إنه حكاية لاعترافهم والسياق يأباه.
وقال مكي : إنهم جهلوا الجواب فطلبوه من جهته صلىاللهعليهوسلم فأمر باعلامهم به ، ويبعده أنه تعالى قد أخبر بعلمهم في قوله سبحانه : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان : ٢٥ ، الزمر: ٣٨] وحينئذ كيف يقال : انهم جهلوا الجواب فطلبوه؟ نعم قال البغوي : روي أنه لما قال صلىاللهعليهوسلم ذلك للمشركين عطفوا عليه فقالوا : أجب أنت فأمره الله تعالى بالجواب ، وهو يفرض صحته لا يدل على جهلهم كما لا يخفى (قُلْ) إلزاما لهم وتبكيتا (أَفَاتَّخَذْتُمْ) لأنفسكم (مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) عاجزين (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ) وهي أعز عليهم منكم (نَفْعاً) يستجلبونه (وَلا ضَرًّا) يدفعونه عنها فضلا عن القدرة على جلب النفع للغير ودفع الضرر عنه ، والهمزة للإنكار ، والمراد بعد أن علمتموه رب السموات والأرض اتخذتم من دونه أولياء في غاية العجز عن نفعكم فجعلتم ما كان يجب أن يكون سبب التوحيد من علمكم سبب الإشراك ، فالفاء عاطفة للتسبب والتفريع دخلت الهمزة عليه لأن المنكر الاتخاذ بعد العلم لا العلم ولا هما معا ، ووصف الأولياء بما ذكر مما يقوي الإنكار ويؤكده ، ويفهم ـ على ما قيل ـ من كلام البعض أن هذا دليل ثان على ضلالهم وفساد رأيهم في اتخاذهم أولياء رجاء أن ينفعوهم ، واختلف في الدليل الأول فقيل : هو ما يفهم من قوله تعالى : (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) وقيل : هو ما يفهم من قوله سبحانه : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) إلخ فتدبر (قُلْ) تصويرا لآرائهم الركيكة بصورة المحسوس (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى) الذي هو المشرك الجاهل بالعبادة ومستحقها (وَالْبَصِيرُ) الذي هو الموحد العالم بذلك وإلى هذا ذهب مجاهد ، وفي الكلام عليه استعارة تصريحية ، وكذا على ما قيل : إن المراد بالأول الجاهل بمثل هذه الحجة بالثاني العالم بها ، وقيل : إن الكلام على التشبيه والمراد لا يستوي المؤمن الكافر كما لا يستوي الأعمى والبصير فلا مجاز. ومن الناس من فسر الأول بالمعبود الغافل (١) والثاني بالمعبود العالم بكل شيء وفيه بعد (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ) التي هي عبارة عن الكفر والضلال (وَالنُّورُ) الذي هو عبارة عن الإيمان والتوحيد وروي ذلك عن مجاهد أيضا ، وجمع الظلمات لتعدد أنواع الكفر ككفر النصارى وكفر المجوس والكفر غيرهم ، وكون الكفر كله ملة واحدة أمر آخر.
و «أو» كما في البحر منقطعة وتقدر ـ ببل ـ والهمزة على المختار ، والتقدير بل أهل تستوي ، وهل وإن نابت عن الهمزة في كثير من المواضع فقد جامعتها أيضا كما في قوله :
أهل رأونا بوادي القف ذي الأكم
وإذا جامعتها مع التصريح بها فلأن تجامعها مع أم المتضمنة لها أولى ، ويجوز فيها بعد (أَمْ) هذه أن يؤتى بها
__________________
(١) هذا من إرخاء العنان أو من باب المشاكلة كذا قيل فتدبر اه منه.