الجنة كان جعلهم في درجتهم مقتضى طلبهم وشفاعتهم لهم بمقتضى الإضافة. والحق أن الآية لا تصلح دليلا على ذلك خصوصا إذا كان الواو بمعنى مع فتأمل ، والظاهر أنه لا تمييز بين زوجة وزوجة وبذلك صرح الإمام ثم قال : ولعل الأولى من مات عنها أو ماتت عنه. وما روي عن سودة أنها لما هم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بطلاقها قالت : دعني يا رسول الله أحشر في جملة نسائك كالدليل على ما ذكر. واختلف في المرأة ذات الأزواج إذا كانوا قد ماتوا عنها فقيل : هي في الجنة لآخر أزواجها. ويؤيده كون أمهات المؤمنين زوجاته صلىاللهعليهوسلم فيها مع كون أكثرهن كن قد تزوجن قبل بغيره عليه الصلاة والسلام. وقيل : هي لأول أزواجها كامرأة أخبرها ثقة أن زوجها قد مات ووقع في قلبها صدقه فتزوجت بعد انقضاء عدتها ثم ظهرت حياته فإنها تكون له. وتعقب بأن هذا ليس من هذا القبيل بل هو يشبه ما لو مات رجل وأخبر معصوم كالنبي بموته فتزوجت امرأته بعد انقضاء العدة ثم أحياه الله تعالى وقد قالوا في ذلك : إن زوجته لزوجها الثاني. وقيل : إن الزوجة تخير يوم القيامة بين أزواجها فمن كان منهم أحسنهم خلقا معها كانت له وارتضاه جمع. وقرأ ابن أبي عبلة «صلح» بضم اللام والفتح أفصح ؛ وعيسى الثقفي «ذريتهم» بالتوحيد (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ) من أبواب المنازل.
أخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك أنه قرأ الآية حتى ختمها ثم قال : إن المؤمن لفي خيمة من درة مجوفة ليس فيها جذع ولا وصل طولها في الهواء ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ومال لها أربعة آلاف مصراع من ذهب يقوم على كل باب منها سبعون ألفا من الملائكة مع كل ملك هدية من الرحمن ليس مع صاحبه مثلها لا يصلون إليه إلا بإذن بينه وبينهم حجاب» وروي عن ابن عباس ما هو أعظم من ذلك.
وقال أبو الأصم : أريد من كل باب من أبواب البر كباب الصلاة وباب الزكاة وباب الصبر ، وقيل : من أبواب الفتوح والتحف ، قيل : فعلى هذا المراد بالباب النوع و (مَنْ) للتعليل ، والمعنى يدخلون لإتحافهم بأنواع التحف ، وتعقب بأن في كون الباب بمعنى النوع كالبابة نظرا فإن ظاهر كلام الأساس وغيره يقتضي أن يكون مجازا أو كناية عما ذكر لأن الدار التي لها أبواب إذا أتاها الجم الغفير يدخلونها من كل باب فأريد به دخول الأرزاق الكثيرة عليهم وأنها تأتيهم من كل جهة وتعدد الجهات يشعر بتعدد المأتيات فإن لكل جهة تحفة (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي قائلين ذلك وهو بشارة بدوام السلامة ، فالجملة مقول لقول محذوف واقع حالا من فاعل (يَدْخُلُونَ) وجوز كونها حالا من غير تقدير أي مسلمين ، وهي في الأصل فعلين أي يسلمون سلاما ، وقوله تعالى : (بِما صَبَرْتُمْ) متعلق كما قال أبو البقاء بما تعلق به (عَلَيْكُمْ) أو به نفسه لأنه نائب عن متعلقه ، ومنع هذا ـ كما قال السيوطي ـ السفاقسي وقال : لا وجه له ، والصحيح أنه متعلق بما تعلق به (عَلَيْكُمْ) وجوز الزمخشري تعلقه ـ بسلام ـ على معنى نسلم عليكم ونكرمكم بصبركم ؛ ومنعه أبو البقاء بأن فيه الفصل بين المصدر ومعمول له بالأجنبي وهو الخبر ، ووجه ذلك في الدر المصون بأن المنع إنما هو في المصدر المؤول بحرف مصدري وهذا ليس منه مع أن الرضي جوز ذلك مع التأويل أيضا وقال : لا أراه مانعا لأن كل مؤول بشيء لا يثبت له جميع أحكامه ، وجوز لهذه العلة العلامة الثاني تقديم معمول المصدر المؤول بأن والفعل عليه في نحو قوله تعالى : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) [النور : ٢] وقال في الكشف : إن (عَلَيْكُمْ) نظرا إلى الأصل غير أجنبي فلذلك جاز أن يفصل به ، على أن الزمخشري لم يصرح بأنه معموله بل من مقتضاه ولذا قال : أي نسلم إلخ فدل على أن التعلق معنوي يقدر ما يناسبه ، ولو جعل معمولا للظرف المستقر أعني (عَلَيْكُمْ) فيكون متعلقا معنى ـ بسلام ـ ضرورة لكان وجها خاليا عن التكلف ، وجعله أبو حيان خبر مبتدأ محذوف و (بِما) مصدرية والباء سببية أو بدلية أي هذا الثواب الجزيل بسبب صبركم في الدنيا على المشاق أو بدله. وعن أبي عمران بما صبرتم