وأصبتم وستجدون ذلك عندي ، وبلغوه رسالة أبيهم ، فإنه عليهالسلام لما ودعوه قال لهم : بلغوا ملك مصر سلامي وقولا له : إن أبانا يصلي عليك ويدعو لك ويشكر صنيعك معنا ، وقال أبو منصور المهراني : إنه عليهالسلام خاطبه بذلك في كتاب فلما قرأه يوسف عليهالسلام بكى ثم إنه أكرمهم وأنزلهم وأحسن نزلهم ثم أضافهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقي بنيامين وحيدا فبكى وقال : لو كان أخي يوسف حيا لأجلسني معه فقال يوسف عليهالسلام : بقي أخوكم وحده فقالوا له : كان له أخ فهلك قال : فأنا أجلسه معي فأخذه وأجلسه معه على مائدة وجعل يؤاكله ، فلما كان الليل أمرهم بمثل ذلك وقال : ينام كل اثنين منكم على فراش فبقي بنيامين وحده فقال : هذا ينام عندي على فراشي فنام مع يوسف عليهالسلام على فراشه فجعل يوسف عليهالسلام يضمه إليه ويشم ريحه حتى أصبح وسأله عن ولده فقال : لي عشرة بنين اشتققت أسماءهم من اسم أخ لي هلك فقال له : أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ قال : من يجد أخا مثلك أيها الملك؟ ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف عليهالسلام وقام إليه وعانقه وتعرف إليه عند ذلك (قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ) يوسف (فَلا تَبْتَئِسْ) أي فلا تحزن (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) بنا فيما مضى فإن الله تعالى قد أحسن إلينا وجمعنا على خير ولا تعلمهم بما أعلمتك ، والقول بأنه عليهالسلام تعرف إليه وأعلمه بأنه أخوه حقيقة هو الظاهر. وروي عن ابن عباس وابن إسحاق وغيرهما إلا أن ابن إسحاق قال : إنه عليهالسلام قال له بعد أن تعرف إليه : لا تبال بكل ما تراه من المكروه في تحيلي في أخذك منهم ، قال ابن عطية : وعلى هذا التأويل يحتمل أن يشير (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) إلى ما يعمله فتيانه عليهالسلام من أمر السقاية ونحو ذلك ، وهو لعمري مما لا يكاد يقول به من له أدنى معرفة بأساليب الكلام ، وقال وهب : إنما أخبر عليهالسلام أنه قائم مقام أخيه الذاهب في الود ولم يكشف إليه الأمر ، ومعنى (فَلا تَبْتَئِسْ) إلخ لا تحزن بما كنت تلقاه منهم من الحسد والأذى فقد أمنتهم ، وروي أنه قال ليوسف عليهالسلام : أنا لا أفارقك قال : قد علمت اغتمام والدي فإذا حبستك ازداد غمه ولا سبيل إلى ذلك إلا أن أنسبك إلى ما لا يجمل قال : لا أبالي فافعل ما بدا لك قال : فإني أدس صاعي في رحلك ثم أنادي عليك بأنك سرقته ليتهيأ لي ردك بعد تسريحك معهم قال : افعل (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) ووفى لهم الكيل وزاد كلّا منهم على ما روي حمل بعير (جَعَلَ السِّقايَةَ) هي إناء يشرب به الملك وبه كان يكال الطعام للناس ، وقيل : كانت تسقى بها الدواب ويكال بها الحبوب ، وكانت من فضة مرصعة بالجواهر على ما روي عن عكرمة أو بدون ذلك كما روي عن ابن عباس والحسن وعن ابن زيد أنها من ذهب ، وقيل : من فضة مموهة بالذهب ، وقيل : كانت إناء مستطيلة تشبه المكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه يستعمله الأعاجم ، يروى أنه كان للعباس مثله يشرب به في الجاهلية ولعزة الطعام في تلك الأعوام قصر كيله على ذلك ، والظاهر أن الجاعل هو يوسف عليهالسلام نفسه ، ويظهر من حيث كونه ملكا أنه عليهالسلام لم يباشر الجعل بنفسه بل أمر أحدا فجعلها (فِي رَحْلِ أَخِيهِ) بنيامين من حيث يشعر أو لا يشعر.
وقرئ «وجعل» بواو ، وفي ذلك احتمالان الأول أن تكون الواو زائدة على مذهب الكوفيين وما بعدها هو جواب (لَمَّا) والثاني أن تكون عاطفة على محذوف وهو الجواب أي فلما جهزهم أمهلهم حتى انطلقوا وجعل (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) نادى مسمع كما في مجمع البيان ، وفي الكشاف وغيره نادى مناد.
وأورد عليه أن النحاة قالوا : لا يقال قام قائم لأنه لا فائدة فيه. وأجيب بأنهم أرادوا أن ذلك المنادي من شأنه الإعلام بما نادى به بمعنى أنه موصوف بصفة مقدرة تتم بها الفائدة أي أذن رجل معين للأذان (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) وقد يقال : قياس ما في النظم الجليل على المثال المذكور ليس في محله وكثيرا ما تتم الفائدة بما ليس من أجزاء الجملة ، ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا يزني الزاني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر وهو مؤمن» والعير الإبل التي عليها