الأحمال سميت بذلك لأنها تعير أي تذهب وتجيء ، وهو اسم جمع لذلك لا واحد له ، والمراد هنا أصحاب العير كما في قوله صلىاللهعليهوسلم : «يا خيل الله اركبي» وذلك إما من باب المجاز أو الإضمار إلا أنه نظر إلى المعنى (١) في الآية ولم ينظر إليه في الحديث (٢) وقيل : العير قافلة الحمير ثم توسع (٣) فيها حتى قيلت لكل قافلة كأنها جمع عير بفتح العين وسكون الياء وهو الحمار ، وأصلها عير بضم العين والياء استثقلت الضمة على الياء فحذفت ثم كسرت العين لثقل الياء بعد الضمة كما فعل في بيض جمع أبيض وغيد جمع أغيد ، وحمل العير هنا على قافلة الإبل هو المروي عن الأكثرين ، وعن مجاهد أنها كانت قافلة حمير ، والخطاب ب (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) إن كان بأمر يوسف عليهالسلام فلعله أريد بالسرقة أخذهم له من أبيه على وجه الخيانة كالسراق ؛ ودخول بنيامين فيه بطريق التغليب أو أريد سرقة (٤) السقاية ، ولا يضر لزوم الكذب لأنه إذا تضمن مصلحة رخص فيه. وأما كونه برضا أخيه فلا يدفع ارتكاب الكذب وإنما يدفع تأذي الأخ منه ، أو يكون المعنى على الاستفهام أي أإنّكم لسارقون ولا يخفى ما فيه من البعد وإلا فهو من قبل المؤذن بناء على زعمه قيل والأول هو الأظهر الأوفق للسياق. وفي البحر الذي يظهر أن هذا التحيل ورمي البراء بالسرقة وإدخال الهم على يعقوب عليهالسلام بوحي من الله تعالى لما علم سبحانه في ذلك من الصلاح ولما أراد من محنتهم بذلك ، ويؤيده قوله سبحانه : و (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) [يوسف : ٧٦] وقرأ اليماني «إنكم سارقون» بلا لام (قالُوا) أي الاخوة (وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ) أي على طالبي السقاية المفهوم من الكلام أو على المؤذن إن كان أريد منه جمع كأنه عليهالسلام جعل مؤذنين ينادون بذلك على ما في البحر ، والجملة في موضع الحال من ضمير (قالُوا) جيء بها للدلالة على انزعاجهم مما سمعوه لمباينته لحالهم أي قالوا مقبلين عليهم (ما ذا تَفْقِدُونَ) أي أي شيء تفقدون أو ما الذي تفقدونه؟ والفقد كما قال الراغب : عدم الشيء بعد وجوده فهو أخص من العدم فإنه يقال له ولما لم يوجد أصلا ، وقيل : هو عدم الشيء بأن يضل عنك لا بفعلك ، وحاصل المعنى ما ضاع منكم؟ وصيغة المستقبل لاستحضار الصورة.
وقرأ السلمي «تفقدون» بضم التاء من أفقدته إذا وجدته فقيدا نحو أحمدته إذا وجدته محمودا. وضعف أبو حاتم هذه القراءة ووجهها ما ذكر ، وعلى القراءتين فالعدول عما يقتضيه الظاهر من قولهم : ما ذا سرق منكم على ما قيل لبيان كمال نزاهتهم بإظهار أنه لم يسرق منهم شيء فضلا عن أن يكونوا هم السارقين له ، وإنما الممكن أن يضيع منهم شيء فيسألونهم ما ذا؟ ، وفيه إرشاد لهم إلى مراعاة حسن الأدب والاحتراز عن المجازفة ونسبة البراء إلى ما لا خير فيه لا سيما بطريق التأكيد فلذلك غيروا كلامهم حيث قالوا في جوابهم :
(قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ) ولم يقولوا سرقتموه أو سرق ، وقيل : كان الظاهر أن يبادروا بالإنكار ونفى أن يكونوا سارقين ولكنهم قالوا ذلك طلبا لإكمال الدعوى إذ يجوز أن يكون فيها ما تبطل به فلا تحتاج إلى خصام ، وعدلوا عن ما ذا سرق منكم؟ إلى ما في النظم الجليل لما ذكر آنفا ، والصواع بوزن غراب المكيال وهو السقاية ولم يعبر بها مبالغة في الإفهام والإفصاح ؛ ولذا أعاد الفعل ، وصيغة المستقبل لما تقدم أو للمشاكلة.
وقرأ الحسن وأبو حيوة وابن جبير فيما نقل ابن عطية كما قرأ الجمهور إلا أنهم كسروا الصاد ، وقرأ أبو هريرة
__________________
(١) فقيل إنكم لسارقون اه منه.
(٢) فقيل اركبي دون اركبوا اه منه.
(٣) وقيل تجوز بها لقافلة الحمير فتأمل اه منه.
(٤) والكلام من قبيل بنو فلان قتلوا فلانا فتدبر اه منه.