الشرط وجزاؤه فهو جزاؤه والفاء رابطة والشرط وجزاؤه خبر أيضا كما في احتمال الموصولة. واعترض على ذلك بأنه يلزم خلو الجملة الواقعة خبرا للمبتدإ عن عائد إليه لأن الضمير المذكور ـ لمن ـ لا له. وأجيب بأنه جعل الاسم الظاهر وهو الجزاء الثاني قائما مقام الضمير والربط كما يكون بالضمير يكون بالظاهر والأصل جزاؤه من وجد في رحله فهو ـ هو ـ أي فهو الجزاء ، وفي العدول ما علم من التقرير السابق وإزالة اللبس والتفخيم لا سيما في مثل هذا الموضع فهو كاللازم ، وقد صرح الزجاج بأن الإظهار هنا أحسن من الإضمار وعلله ببعض ما ذكر وأنشد :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء |
|
نغص الموت ذا الغنى والفقيرا |
وبذلك يندفع ما في البحر اعتراضا على هذا الجعل من أن وضع الظاهر موضع الضمير للربط إنما يفصح إذا كان المقام مقام تعظيم كما قال سيبويه فلا ينبغي حمل النظم الجليل على ذلك ، وأن يكون جزاؤه خبر مبتدأ محذوف تقديره المسئول عن جزاؤه فهو حكاية قول السائل ويكون (مَنْ وُجِدَ) إلخ بيانا وشروعا في الفتوى ، وهذا على ما قيل كما يقول من يستفتي في جزاء صيد المحرم : جزاء صيد المحرم ، ثم يقول : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) [المائدة : ٩٥] فإن قول المفتي : جزاء صيد الحرم بتقدير ما استفتيت فيه أو سألت عنه ذلك وما بعده بيان للحكم وشرح للجواب ، وليس التقدير ما أذكره جزاء صيد الحرم لأن مقام الجواب والسؤال ناب عنه. نعم إذا ابتدأ العالم بإلقاء مسألة فهنالك يناسب هذا التقدير.
وتعقب ذلك أبو حيان بأنه ليس في الأخبار عن المسئول عنه بذلك كثير فائدة إذ قد علم أن المسئول عنه ذلك من قولهم : (فَما جَزاؤُهُ) وكذا يقال في المثال ، وأجيب بأنه يمكن أن يقال : إن فائدة ذلك إعلام المفتي المستفتي أنه قد أحاط خبره بسؤاله ليأخذ فتواه بالقبول ولا يتوقف في ذلك لظن الغفلة فيها عن تحقيق المسئول وهي فائدة جليلة.
وزعم بعضهم أن الجملة من الخبر والمبتدأ المحذوف على معنى الاستفهام الإنكاري كأن المسئول ينكر أن يكون المسئول عنه ذلك لظهور جوابه ثم يعود فيجيب وهو كما ترى (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الجزاء الأوفى (نَجْزِي الظَّالِمِينَ) بالسرقة ، والظاهر أن هذا من تتمة كلام الإخوة فهو تأكيد للحكم المذكور غب تأكيد وبيان لقبح السرقة وقد فعلوا ذلك ثقة بكمال براءتهم عنها وهي عما فعل بهم غافلون ، وقيل : هو من كلام أصحاب يوسف عليهالسلام ، وقيل : كلامه نفسه أي مثل الجزاء الذي ذكرتموه نجزي السارقين. (فَبَدَأَ) قيل المؤذن ورجح بقرب سبق ذكره ، وقيل : يوسف عليهالسلام فقد روي أن إخوته لما قالوا ما قالوا قال لهم أصحابه : لا بد من تفتيش رحالكم فردوهم بعد أن ساروا منزلا أو بعد أن خرجوا من العمارة إليه عليهالسلام فبدأ (بِأَوْعِيَتِهِمْ) أي بتفتيش أوعية الإخوة العشرة ورجح ذلك بمقاولة يوسف عليهالسلام فإنها تقتضي ظاهرا وقوع ما ذكر بعد ردهم إليه ولا يخفى أن الظاهر أن إسناد التفتيش إليه عليهالسلام مجازي والمفتش حقيقة أصحابه يأمره بذلك (قَبْلَ) تفتيش (وِعاءِ أَخِيهِ) بنيامين لنفي التهمة.
روي أنه لما بلغت النوبة إلى وعائه قال : ما أظن هذا أخذ شيئا فقالوا : والله لا تتركه حتى تنظر في رحله فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا ففعل (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها) أي السقاية أو الصواع لأنه كما علمت مما يؤنث ويذكر عند الحفاظ ، وقيل : الضمير للسرقة المفهومة من الكلام أي ثم استخرج السرقة (مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ) لم يقل منه على رجع الضمير إلى الوعاء أو من وعائه على رجعه إلى أخيه قصدا إلى زيادة كشف وبيان ، والوعاء الظرف الذي يحفظ فيه الشيء وكأن المراد به هنا ما يشمل الرحل وغيره لأنه الأنسب بمقام التفتيش ولذا لم يعبر بالرحال على ما قيل ، وعليه