من جملتها البعث وما يعقبه من الجزاء (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) للوحدانية جاحدة لها أو للآيات الدالة عليها (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) عن الاعتراف بها أو عن الآيات الدالة عليها ، والفاء للإيذان بأن إصرارهم على الإنكار واستمرارهم على الاستكبار وقع موقع النتيجة للدلائل الظاهرة والبراهين القطعية فهي للسببية كما في قولك : أحسنت إلى زيد فإنه أحسن إلي ، والمعنى أنه قد ثبت بما قرر من الدلائل والحجج اختصاص الإلهية به سبحانه فكان من نتيجة ذلك إصرارهم على الإنكار واستمرارهم على الاستكبار ، وبناء الحكم على الموصول للإشعار بعلية ما في حيز الصلة له ، فإن الكفر بالآخرة وبما فيها من البعث والجزاء على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب يؤدي إلى قصر النظر على العاجل وعدم الالتفات إلى الدلائل الموجب لإنكارها وإنكار موادها والاستكبار عن اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام والإيمان به ، وأما الإيمان بها وبما فيها فيدعو لا محالة إلى الالتفات إلى الدلائل والتأمل فيها رغبة ورهبة فيورث ذلك يقينا بالوحدانية وخضوعا لأمر الله تعالى قاله بعض المحققين.
ومن الناس من قال : المراد وهم مستكبرون عن الإيمان برسول الله صلىاللهعليهوسلم واتباعه ، فيكون الإنكار إشارة إلى كفرهم بالله تعالى والاستكبار إشارة إلى كفرهم برسوله صلىاللهعليهوسلم والأول أظهر ، وإسناد الإنكار إلى القلوب لأنها محله وهو أبلغ من إسناده إليهم ، ولعله إنما لم يسلك في إسناد الاستكبار مثل ذلك لأنه أثر ظاهر كما تشير إليه الآية بعد ؛ وقد قال بعض العلماء : كل ذنب يمكن التستر به وإخفاؤه إلا التكبر فإنه فسق يلزمه الإعلان (لا جَرَمَ) أي حق أو حقا (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) من الإنكار (وَما يُعْلِنُونَ) من الاستكبار ، وقال يحيى بن سلام والنقاش : المراد هنا بما يسرون تشاورهم في دار الندوة في قتل النبي عليه الصلاة والسلام ، وهو كما ترى ، وأيا ما كان فالمراد من العلم بذلك الوعيد بالجزاء عليه ، وأن وما بعدها في تأويل مصدر مرفوع ـ بلا جرم ـ بناء على ما ذهب إليه الخليل وسيبويه والجمهور من أنها اسم مركب مع لا تركيب خمسة عشر وبعد التركيب صار معناها معنى فعل وهو حق فهي مؤولة بفعل. وأبو البقاء يؤولها بمصدر قائم مقامه وهو حقا ، وقيل : مرفوع ـ بجرم ـ نفسها على أنها فعل ماض بمعنى ثبت ووجب و (لا) نافية لكلام مقدر تكلم به الكفرة كقوله سبحانه: (فَلا أُقْسِم) [القيامة : ١ ، البلد : ١] على وجه. وذهب الزجاج إلى أنه منصوب على المفعولية ـ لجرم ـ على أنها فعل أيضا لكن بمعنى كسب وفاعلها مستتر يعود إلى ما فهم من السياق ولا كما في القول السابق ، وقيل : إنه خبر (لا) حذف منه حرف الجر و (جَرَمَ) اسمها ، والمعنى لا صدأ ولا منع في أن الله يعلم إلخ ، وقد مر تمام الكلام في ذلك.
وقرأ عيسى الثقفي «إن» بكسر الهمزة على الاستئناف والقطع مما قبله على ما قال أبو حيان ، ونقل عن بعضهم أنه قد يغني (لا جَرَمَ) عن القسم تقول : لا جرم لآتينك وحينئذ فتكون الحملة جواب القسم (إِنَّهُ) جل جلاله (لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) أي مطلقا ويدخل فيه من استكبر عن التوحيد أو عن الآيات الدالة عليه دخولا أوليا ، وجوز أن يراد به أولئك المستكبرون والأول أولى ، وأيا ما كان فالاستفعال ليس للطلب مثله فيما تقدم ، وجوز كونه عاما مع حمل الاستفعال على ظاهره من الطلب أي لا يحب من طلب الكبر فضلا عمن اتصف به ، وقد فرق الراغب بين الكبر والتكبر والاستكبار بعد القول بأنها متقاربة ، والحق أنه قد يستعمل بعضها موضع بعض ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر ذلك آنفا وأظنه قد تقدم أيضا ؛ والجملة تعليل لما تضمنه الكلام السابق من الوعيد ، والمراد من نفي الحب البغض وهو عند البعض مؤول بنحو الانتقام والتعذيب ، والأخبار الناطقة بسوء حال المتكبر يوم القيامة كثيرة جدا.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) أي لأولئك المستكبرين ، وهو بيان لإضلالهم غب بيان ضلالهم ، وقيل : الضمير لكفار قريش الذين كانوا ـ كما روي عن قتادة ـ يقعدون بطريق من يغدو على النبي صلىاللهعليهوسلم ليطلع على جلية أمره فإذا مر بهم قال