يرجون إتيان ما يشتهون منها ، وقال البيضاوي أي بغتة من جانب السماء كما فعل بقوم لوط ، وكأن التخصيص بجانب السماء لأن ما يجيء منه لا يشعر به غالبا بخلاف ما يجيء من الأرض فإنه محسوس في الأكثر ، ولعل اعتباره أوفق بالمقابلة ، ويحتمل أن يكون مراده بما من جانب السماء ما لا يكون على يد مخلوق سواء نشأ من الأرض أو السماء كما قيل. دعها سماوية تجري على قدر. فيكون مجازا ، لكن قيل عليه : إنه لا يلائم المثال وإن كان لا يخصص (أَوْ يَأْخُذَهُمْ) أي العذاب أو الله تعالى رجح الأول بالقرب والثاني بكثرة إسناد الأخذ إليه تعالى في القرآن العظيم مع أنه جل شأنه هو الفاعل الحقيقي له.
(فِي تَقَلُّبِهِمْ) أي حركتهم إقبالا وإدبارا ، والمراد على ما أخرجه ابن جرير. وغيره عن قتادة ، وروي عن ابن عباس في أسفارهم ، وحمله على ذلك ـ قال الإمام ـ مأخوذ من قوله تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) [آل عمران : ١٩٦] أو المراد في حال ما يتقلبون في قضاء مكرهم والسعي في تنفيذه ، وقيل : المراد في حال تقلبهم على الفرش يمينا وشمالا ، وهو في معنى ما جاء في رواية عن ابن عباس أيضا في منامهم ، ولا أراه يصح.
وقال الزجاج : المراد ما يعم سائر حركاتهم في أمورهم ليلا أو نهارا والجمهور على الأول والأخذ في الأصل جوز الشيء وتحصيله ، والمراد به القهر والإهلاك ، والجار والمجرور إما في موضع الحال أو متعلق بالفعل قبله والأول أولى نظرا إلى أنه الظاهر في نظيره الآتي إن شاء الله تعالى لكن الظاهر فيما قبله الثاني (فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) بفائتين الله تعالى بالهرب والفرار على ما يوهمه حال التقلب والسير أو ما هم بممتنعين كما يوهمه مكرهم وتقلبهم فيه ، والفاء قيل : لتعليل الأخذ أو لترتيب عدم الإعجاز عليه دلالة على شدته وفظاعته حسبما قال صلىاللهعليهوسلم : «إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» والجملة الاسمية للدلالة على دوام النفي والتأكيد يعود إليه أيضا.
(أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) أي مخافة وحذر من الهلاك والعذاب بأن يهلك قوما قبلهم أو يحدث حالات يخاف منها غير ذلك كالرياح الشديدة والصواعق والزلازل فيتخوفوا فيأخذهم بالعذاب وهم متخوفون ويروى نحوه عن الضحاك ، وهو على ما قال الزمخشري ويقتضيه كلام ابن بحر خلاف قوله تعالى : (مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ).
وقال غير واحد من الأجلة : على أن ينقصهم شيئا فشيئا في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا من تخوفته إذا تنقصته ، وروي تفسيره بذلك عن ابن عباس ومجاهد والضحاك أيضا.
وذكر الهيثم بن عدي أن التنقص بهذا المعنى لغة أزدشنوءة ، ويروى أن عمر رضي الله تعالى عنه قال على المنبر ما تقولون فيها أي الآية والتخوف منها؟ فسكتوا فقام شيخ من هذيل فقال : هذه لغتنا التخوف التنقص فقال : هل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ فقال : نعم قال شاعرنا أبو كبير يصف ناقته :
تخوف الرحل منها تامكا قردا (١) |
|
كما تخوف عود النبعة السفن |
فقال عمر رضي الله تعالى عنه : عليكم بديوانكم لا تضلوا قالوا : وما ديواننا؟ قال : شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم ، والجار والمجرور قال أبو البقاء : في موضع الحال من الفاعل أو المفعول في يأخذهم.
وقال الخفاجي : الظاهر أنه حال من المفعول وكأنه أراد على تفسيري التخوف ويتخوف من الجزع به على التفسير الثاني ، والمراد من ذكر هذه المتعاطفات بيان قدرة الله تعالى على إهلاكهم بأي وجه كان لا الحصر ، ثم إن
__________________
(١) قوله : تامكا أي سناما ، وقوله : قردا أي متراكما والنبعة شجر يتخذ منه القسيّ ، والسفن بفتح السين والفاء المبرد اه منه.