«أفأمن الذين مكروا» وذكر الخفاجي وغيره أن قراءة التاء على الالتفات أو تقدير قل أو الخطاب فيها عام للخلق و «ما» موصولة مبهمة ، وقوله تعالى : (مِنْ شَيْءٍ) بيان لها لكن باعتبار صفته وهي قوله تعالى : (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) فهي المبينة في الحقيقة والموصوف توطئة لها وإلا فأي بيان يحصل به نفسه ، والتفيؤ تفعل من فاء يفيء فيئا إذا رجع وفاء لازم وإذا عدي فبالهمزة أو التضعيف كأفاءه الله تعالى وفيأه فتفيأ وتفيا مطاوع له لازم ، وقد استعمله أبو تمام متعديا في قوله من قصيدة يمدح بها خالد بن يزيد الشيباني :
طلبت ربيع ربيعة الممهى لها |
|
وتفيأت ظلّا له ممدودا |
ويحتاج ذلك إلى نقل من كلام العرب ، والظلال جمع ظل وهو في قول ما يكون بالغداة وهو ما لم تنله الشمس والفيء ما يكون بالعشي وهو ما انصرفت عنه الشمس وأنشدوا له قول حميد بن ثور يصف سرحة وكنّى (١) بها عن امرأة :
فلا الظل من برد الضحى تستطيعه |
|
ولا الفيء من برد العشيّ تذوق |
ونقل ثعلب عن رؤبة ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فيء وظل وما لم تكن عليه فهو ظل فالظل أعم من الفيء ، وقيل : هما مترادفان يطلق كل منهما على ما كان قبل الزوال وعلى خلافه ، وأنشد أبو زيد للنابغة الجعدي :
فسلام الإله يغدو عليهم |
|
وفيوء الفردوس ذات الضلال |
والمشهور أن الفيء لا يكون إلا بعد الزوال ، ومن هنا قال الأزهري : إن تفيؤ الظلال رجوعها بعد انتصاف النهار ، وقال أبو حيان : إن الاعتبار من أول النهار إلى آخره ، وإضافة الضلال إلى ضمير المفرد لأن مرجعه وإن كان مفردا في اللفظ لكنه كثير في المعنى ، ونظير ذلك أكثر من أن يحصى ، والمعنى أو لم يروا الأشياء التي ترجع وتتنقل ظلالها (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) والمراد بها الأشياء الكثيفة من الجبال والأشجار وغيرها سواء كان جمادا أو نباتا على ما عليه بعض المفسرين ، وخصها بعضهم بالجمادات التي لا يظهر لظلالها أثر سوى التفيؤ بواسطة الشمس على ما ستعلمه إن شاء الله تعالى دون ما يشمل الحيوان الذي يتحرك ظله بتحركه ، وكلا القولين على تقدير كون (مِنْ) بيانية كما سمعت ؛ وذهب بعض المحققين إلى العموم لكنه جعل من ابتدائية متعلقة ـ بخلق ـ المراد بما خلقه من شيء عالم الأجسام المقابل لعالم الروح والأمر الذي لم يخلق من شيء بل وجد بأمر (كُنْ) كما قال سبحانه : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف : ٥٤] ، ولا يخفى بعده ، واعترض أيضا بأن السموات والجن من عالم الأجسام والخلق ولا ظل لها ومقتضى عموم (ما) أنه لا يخلو شيء منها عنه بخلاف ما إذا جعلت من بيانية و «يتفيؤ» صفة شيء مخصصة له. ورد بأن جملة (يَتَفَيَّؤُا) حينئذ ليست صفة ـ لشيء ـ إذ المراد إثبات ذلك لما خلق من شيء لإله وليس صفة ـ لما ـ لتخالفهما تعريفا وتنكيرا بل هي مستأنفة لإثبات أن له ظلالا متفيئة وعموم «ما» لا يجوب أن يكون المعنى لكل منه هذه الصفة.
وتعقب بأنه إن أريد أنه لا يقتضي العموم ظاهرا فممنوع وإن أريد أنه يحتمل فلا يرد ردا لأنه مبني على الظاهر المتبادر ، والمراد باليمين والشمائل على ما قيل جانبا الشيء استعارة من يمين الإنسان وشماله أو مجازا من إطلاق
__________________
(١) حيث يقول :
أبى الله إلا أن سرحة مالك |
|
على كل أفنان العضاه تروق |
اه منه.