وزعم بعضهم أن (تَتَّخِذُوا) متعد إلى مفعولين وأن (اثْنَيْنِ) مفعوله الأول و (إِلهَيْنِ) مفعوله الثاني والتقدير لا تتخذوا اثنين إلهين ، وقيل : الأول مفعول أول والثاني ثان ، وقيل (إِلهَيْنِ) مفعوله الأول. و (اثْنَيْنِ) باق على الوصفية والتوكيد والمفعول الثاني محذوف أي معبودين ، ولا يخفى ما في ذلك ، وإثبات الوحدة له تعالى مع أن المسمى المعين لا يتعدد بمعنى أنه لا مشارك له في صفاته وألوهيته فليس الحمل لغوا ، ولا حاجة لجعل الضمير للمعبود بحق المفهوم من الجلالة على طريق الاستخدام كما قيل ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه في سورة الإخلاص. وفي التعبير بالضمير الموضوع للغائب التفات من التكلم إلى الغيبة على رأي السكاكي المكتفي بكون الأسلوب الملتفت عنه حق الكلام وإن لم يسبق الذكر على ذلك الوجه ، وإما قوله تعالى : (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) ففيه التفات من الغيبة إلى التكلم على مذهب الجمهور أيضا ، والنكتة فيه بعد النكتة العامة أعني الإيقاظ وتطرية الإصغاء المبالغة في التخويف والترهيب فإن تخويف الحاضر مواجهة أبلغ من تخويف الغائب سيما بعد وصفه بالوحدة والألوهية المقتضية للعظمة والقدرة التامة على الانتقام.
والفاء في (فَإِيَّايَ) واقعة في جواب شرط مقدور و «إياي» مفعول لفعل محذوف يقدر مؤخرا يدل عليه (فَارْهَبُونِ) أي إن رهبتم شيئا فإياي ارهبوا ، وقول ابن عطية : إن «إياي» منصوب بفعل مضمر تقديره فارهبوا إياي فارهبون ذهول عن القاعدة النحوية ، وهي أنه إذا كان المعمول ضميرا منفصلا والفعل متعد إلى واحد هو الضمير وجب تأخر الفعل نحو (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الفاتحة : ٥] ولا يجوز أن يتقدم إلا في ضرورة نحو قوله :
إليك حتى بلغت إياكا
وعطف المفسر المذكور على المفسر المحذوف بالفاء لأن المراد رهبة بعد رهبة ، وقيل : لأن المفسر حقه أن يذكر بعد المفسر ، ولا يخفى فصل الضمير وتقديمه من الحصر أي ارهبوني لا غير فإنا ذلك الإله الواحد القادر على الانتقام (وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) عطف على قوله سبحانه : (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) أو على الخبر أو مستأنف جيء به تقريرا لعلة انقياد ما فيهما له سبحانه خاصة وتحقيقا لتخصيص الرهبة به تعالى ، وتقدم الظرف لتقوية ما في اللام من معنى التخصيص ، وكذا يقال فيما بعد أي له تعالى وحده ما في السموات والأرض وملكا (وَلَهُ) وحده (الدِّينُ) أي الطاعة والانقياد كما هو أحد معانيه. ونقل عن ابن عطية وغيره (واصِباً) أي واجبا لازما لا زوال له لما تقرر أنه سبحانه الإله وحده الحقيق بأن يرهب ، وتفسير (واصِباً) بما ذكر مروى عن ابن عباس. والحسن. وعكرمة. ومجاهد والضحاك. وجماعة وأنشدوا لأبي الأسود الدؤلي :
لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه |
|
يوما بذم الدهر أجمع واصبا |
وقال ابن الأنباري : هو من الوصب بمعنى التعب أو شدته ، وفاعل للنسب كما في قوله :
وأضحى فؤادي به فاتنا
أي ذا وصب وكلفة ، ومن هنا سمي الدين تكليفا ، وقال الربيع بن أنس : (واصِباً) خالصا ، ونقل ذلك أيضا عن الفراء ، وقيل : الدين الملك والواصب الدائم ، ويبعد ذلك قول أمية بن الصلت :
وله الدين واصبا له الم |
|
لك وحمد له على كل حال |
وقيل : الدين الجزاء والواصب كما في سابقه أي له تعالى الجزاء دائما لا ينقطع ثوابه للمطيع وعقابه للعاصي ، وأيا ما كان فنصب (واصِباً) على أنه حال من ضمير (الدِّينُ) المستكن في الظرف والظرف عامل فيه أو حال من (الدِّينُ) والظرف هو العامل على رأي من يرى جواز اختلاف العامل في الحال والعامل في صاحبها. واستدل بالآية