بالله تعالى إذا خطب دهاك فإن الله تعالى لا يعجل في إغاثتك ولا يهمه سوء حالتك وعليك بالاستغاثة بالأولياء السالفين فإنهم يعجلون في تفريج كربك ويهمهم سوء ما حل بك فمج ذلك سمعي وهمي دمعي وسألت الله أن يعصمني والمسلمين من أمثال هذا الضلّال المبين ، ولكثير من المتشيخين اليوم كلمات مثل ذلك (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) من نعمة الكشف عنهم ، فالكفر بمعنى كفران النعمة واللام لام العاقبة والصيرورة ، وهي استعارة تبعية فإنه لما لم ينتج كفرهم وإشراكهم غير كفران ما أنعم الله تعالى به عليهم جعل كأنه علة غائية له مقصودة منه ، وجوز أن يكون الكفر بمعنى الجحود أي إنكار كون تلك النعمة من الله تعالى واللام هي اللام ، والمعنيان متقاربان (فَتَمَتَّعُوا) أمر تهديد كما هو أحد معاني الأمر المجازية عند الجمهور كما يقول السيد لعبده افعل ما تريد ، والالتفات إلى الخطاب للإيذان بتناهي السخط.
وقرأ أبو العالية «فيمتّعوا» بضم الياء التحتية ساكن الميم مفتوح التاء مضارع متع مخففا مبنيا للمفعول وروى ذلك مكحول الشامي عن أبي رافع مولى النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو معطوف يكفروا على أن يكون الأمران عرضا لهم من الإشراك ، ويجوز أن يكون لام (لِيَكْفُرُوا) لام الأمر والمقصود منه التهديد بتخليتهم وما هم فيه لخذلانهم ، فالفاء واقعة في جواب الأمر وما بعدها منصوب بإسقاط النون ، ويجوز جزمه بالعطف أيضا كما ينصب بالعطف إذا كانت اللام جارة (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) عاقبة أمركم وما ينزل بكم من العذاب ، وفيه وعيد شديد حيث لم يذكر المفعول إشعارا بأنه لا يوصف. وقرأ أبو العالية أيضا «يعلمون» بالياء التحتية وروى ذلك مكحول عن أبي رافع أيضا (وَيَجْعَلُونَ) قيل معطوف على (يُشْرِكُونَ) وليس بشيء ، وقيل : لعله عطف على ما سبق بحسب المعنى تعدادا لجناياتهم أي يفعلون ما يفعلون ، مما قص عليك ويجعلون (لِما لا يَعْلَمُونَ) أي لآلهتهم التي لا يعلمون أحوالها وإنها لا تضر ولا تنفع على أن ما موصولة والعائد محذوف وضمير الجمع للكفار أو لآلهتهم التي لا علم لها بشيء إنها جماد على أن ما موصولة أيضا عبارة عن الآلهة ، وضمير (يَعْلَمُونَ) عائد عليه ، ومفعول (يَعْلَمُونَ) مترك لقصد العموم ، وجوز أن ينزل منزلة اللازم أي ليس من شأنهم العلم ، وصيغة جمع العقلاء لوصفهم الآلهة بصفاتهم ، ويجوز أن تكون ما مصدرية وضمير الجمع للمشركين واللام تعليلية لا صلة الجعل كما في الوجهين الأولين ، وصلته للعلم بها أي يجعلون لآلهتهم لأجل جهلهم (نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) من الحرث والأنعام وغيرهما مما ذرأ تقربا إليها (تَاللهِ لَتُسْئَلُنَ) سؤال توبيخ وتقريع في الآخرة ، وقيل : عند عذاب القبر ، وقيل : عند القرب من الموت (عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) من قبل بأنها آلهة حقيقة بأن يتقرب إليها ، وفي تصدير الجملة بالقسم وصرف الكلام من الغيبة إلى الخطاب المنبئ عن كمال الغضب من شدة الوعيد ما لا يخفى.
(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) هم خزاعة وكنانة كانوا يقولون : الملائكة بنات الله تعالى وكأنهم لجهلهم زعموا تأنيثها وبنوتها ، وقال الإمام : أظن أنهم أطلقوا عليها البنات لاستتارها عن العيون كالنساء ؛ ولهذا لما كان قرص الشمس يجري مجرى المستتر عن العيون بسبب ضوئه الباهر ونوره القاهر أطلقوا عليه لفظ التأنيث.
ولا يرد على ذلك أن الجن كذلك لأنه لا يلزم في مثله الاطراد ، وقيل : أطلقوا عليها ذلك للاستتار مع كونها في محل لا تصل إليه الأغيار فهي كبنات الرجل اللاتي يغار عليهن فيسكنهن في محل أمين ومكان مكين ، والجن وإن كانوا مستترين لكن لا على هذه الصورة ، وهذا أولى مما ذكره الإمام ، وأما عدم التوالد فلا يناسب ذلك.
(سُبْحانَهُ) تنزيه وتقديس له تعالى شأنه عن مضمون قوله ذلك أو تعجيب من جراءتهم على التفوه بمثل تلك العظيمة ، وهو في المعنى الأول حقيقة وفي الثاني مجاز.