وفعيل إما بمعنى مفعول كما أشير إليه أو صيغة مبالغة ، والظاهر أن ذلك الغيظ على المرأة حيث ولدت اثنى ولم تلد ذكرا ، ويؤيده ما روى الأصمعي أن امرأة ولدت بنتا سمتها الذلفاء فهجرها زوجها فانشدت :
ما لأبي الذلفاء لا يأتينا |
|
يظل في البيت الذي يلينا |
يحرد أن لا نلد البنينا |
|
وإنما نأخذ ما يعطينا |
والفقير قد رأيت من طلق زوجته لأن ولدت أنثى ، والجملة في موضع الحال من الضمير في (ظَلَ) وجوز أبو البقاء أن يكون حالا من وجه ، وجوز غيره أيضا حاليته من ضمير (مُسْوَدًّا يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ) يستخفي من قومه (مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ) عرفا وهو الأنثى ، والتعبير عنهما ـ بما ـ لاسقاطها بزعمهم عن درجة العقلاء ، والجملة مستأنفة أو حال على الأوجه السابقة في وهو كظيم إلا كونه من وجهه ، والجاران متعلقان ـ بيتوارى ـ و (مِنَ) الأولى ابتدائية ، والثانية تعليلية أي يتوارى من أجل ذلك ، ويروى أن بعض الجاهلية يتوارى في حال الطلق فإن أخبر بذكر ابنته أو بأنثى حزن وبقي متواريا أياما يدبر فيها ما يصنع (أَيُمْسِكُهُ) أيتركه ويربيه (عَلى هُونٍ) أي ذل ، والجار والمجرور في موضع الحال من الفاعل ولذا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : معناه أيمسكه مع رضاه بهوان نفسه وعلى رغم أنفه ، وقيل : حال من المفعول به أي أيمسك المبشر به وهو الأنثى مهانا ذليلا ، وجملة (أَيُمْسِكُهُ) معمولة لمحذوف معلق بالاستفهام عنها وقع حالا من فاعل (يَتَوارى) أي محدثا نفسه متفكرا في أن يتركه (أَمْ يَدُسُّهُ) يخفيه (فِي التُّرابِ) والمراد يئده ويدفنه حيا حتى يموت وإلى هذا ذهب السدي. وقتادة. وابن جريج وغيرهم ، وقيل : المراد إهلاكه سواء كان بالدفن حيا أم بأمر آخر فقد كان بعضهم يلقي الأنثى من شاهق. روي أن رجلا قال : يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما أجد حلاوة الإسلام منذ أسلمت ، وقد كانت لي في الجاهلية بنت وأمرت امرأتي أن تزينها وأخرجتها فلما انتهيت إلى واد بعيد القعر ألقيتها فقالت يا أبت قتلتني فكلما ذكرت قولها لم ينفعني شيء فقال صلىاللهعليهوسلم : «ما في الجاهلية فقد هدمه الإسلام وما في الإسلام يهدمه الاستغفار» وكان بعضهم يغرقها ، وبعضهم يذبحها إلى غير ذلك ، ولما كان الكل إماتة تفضي إلى الدفن في التراب قيل : (أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ) وقيل : المراد اخفاؤه عن الناس حتى لا يعرف كالمدسوس في التراب ، وتذكير الضميرين للفظ (ما). وقرأ الجحدري بالتأنيث فيهما عودا على قول سبحانه : (بِالْأُنْثى) أو على معنى (ما). وقرئ بتذكير الأول وتأنيث الثاني ، وقرأ الجحدري أيضا ، وعيسى «هوان» بفتح الهاء وألف بعد الواو ، وقرئ «على هون» بفتح الهاء وإسكان الواو وهو بمعنى الذل أيضا ، ويكون بمعنى الرفق واللين وليس بمراد ، وقرأ الأعمش «على سوء» وهي عند أبي حيان تفسير لا قراءة لمخالفتها السواد (أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) حيث يجعلون لمن تنزه عن الصحابة والولد ما هذا شأنه عندهم والحال أنهم يتحاشون عنه ويختارون لأنفسهم البنين ، فمدار الخطأ جعلهم ذلك لله تعالى شأنه مع إبائهم إياه لا جعلهم البنين لأنفسهم ولا عدم جعلهم له سبحانه ، وجوز أن يكون مداره التعكيس كقوله تعالى : (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) [النجم : ٢٢] ، وقال ابن عطية : هذا استقباح منه تعالى شأنه لسوء فعلهم وحكمهم في بناتهم بالإمساك على هون أو الوأد مع أن رزق الجميع على الله سبحانه فكأنه قيل : ألا ساء ما يحكمون في بناتهم وهو خلاف الظاهر جدا ، وروى الأول عن السدي وعليه الجمهور ، والآية ظاهرة في ذم من يحزن إذا بشر بالأنثى حيث أخبرت أن ذلك فعل الفكرة ، وقد أخرج ابن جرير. وغيره عن قتادة أنه قال في قوله سبحانه : (وَإِذا بُشِّرَ) إلخ هذا صنيع مشركي العرب أخبركم الله تعالى بخبثه فأما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله تعالى له وقضاء الله تعالى خير من قضاء المرء لنفسه ، ولعمري ما ندري أي خبر لرب جارية خير لأهلها من غلام ، وإنما أخبركم الله عزوجل بصنيعهم لتجتنبوه ولتنتهوا عنه. واستدل القاضي بالآية على بطلان مذهب