الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥] وأخرج البيهقي في الشعب وغيره عن أبي هريرة أنه سمع رجلا يقول : إن الظالم لا يضر إلا نفسه فقال : بلى والله إن الحبارى لتموت هزلا في وكرها من ظلم الظالم ، وأخرج أيضا هو فيه وغيره عن ابن مسعود قال : كاد الجعل أن يعذب في جحره بذنب ابن آدم ثم قرأ الآية ، وأخرج أحمد في الزهد عنه أنه قال : ذنوب ابن آدم قتلت الجعل في جحره ثم قال : أي والله زمن غرق قوم نوح عليهالسلام ، وقيل : المراد من دابة ظالمة على أن التنوين للنوع وهو مخصوص بالكفار والعصاة من الأنس ، وقيل : منهم ومن الجن ، وقيل : المراد الدابة الظالمة الفاعلة لما ينبغي شرعا أو عرفا فيدخل بعض الدواب إذا ضر غيره ، وقالت فرقة منهم ابن عباس : المراد بالدابة المشرك فقد قال تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنفال : ٥٥] وقال الجبائي : الدابة على عمومها فتشمل سائر الحيوانات ، والمراد بالناس الظالمون مطلقا ؛ ووجه الملازمة أنه تعالى لو آخذهم بما كسبوا من كفر أو معصية لعجل هلاكهم وحينئذ لا يبقى لهم نسل ، ومن المعلوم أن لا أحد إلا وفي آبائه من يستحق العقاب وإذا هلكوا جميعا وبطل نسلهم لا يبقى أحد من الناس وحينئذ يهلك الدواب لأنها مخلوقة لمنافع العباد ومصالحهم كما يشعر به قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : ٢٩] وبتخصيص الناس يسقط الاستدلال بالآية على عدم عصمة الأنبياء عليهمالسلام ، وقال بعض المحققين : لا حاجة إلى التخصيص في ذلك والآية من باب بنو تميم قتلوا قتيلا لتظافر الأدلة والنصوص على عصمة الأنبياء عليهمالسلام. فلا يقال : الأصل الحمل على الحقيقة.
واستدل بعضهم للتخصيص بقوله تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) [فاطر : ٣٢] وألا يفسد التقسيم ، وقد يقال : إنه ما أحد إلا وهو متصف بظلم إلا أن مراتبه مختلفة فحسنات الأبرار سيئات المقربين ، والعصمة التي تدعى للأنبياء عليهمالسلام إنما هي العصمة مما يعد ذنبا بالنسبة إلى غيرهم وأما العصمة مما يعد ذنبا بالنسبة إلى مقامهم ومرتبتهم فلا تدعى لهم إذ قد وقع ذلك منهم كما يشهد به كثير من الآيات ، وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لو أن الله تعالى يؤاخذني وعيسى ابن مريم بذنوبنا ـ وفي لفظ ـ بما جنت هاتان الإبهام والتي تليها لعذبنا ما يظلمنا شيئا» نعم إنه لا يقال لنبي هو ظالم ولا للأنبياء عليهمالسلام هم ظالمون ويقال الناس ظالمون وهذا نظير قولهم : لا يقال لله سبحانه خالق القردة والخنازير ويقال هو خالق كل شيء ، ورب شيء يجوز تبعا ولا يجوز استقلالا ، وأمر التقسيم هين عند المتأمل فليتأمل ، ومن الناس من احتج بالآية على أن أصل المضمار الحرمة إذ لو كان الضرر مشروعا فإما أن يكون مشروعا على وجه يكون جزاء على جرم أولا وكلا القسمين باطل ، أما الأول فللآية وذلك من وجهين.
الأول أنها لمكان لو تقتضي أن تعالى ما آخذ الناس بظلمهم وأنه ترك على ظهرها دابة. الثاني أن مقتضى المؤاخذة عدم ترك دابة على ظهرها ونحن نشاهد أنه سبحانه قد ترك كثيرا من الدواب فيجب القطع بأنه تعالى لم يؤاخذ بالظلم ، وأما الثاني فباطل بالإجماع فثبت بمقتضى آية تحريم المضار ، ويؤكد ذلك آيات أخر وأخبار ؛ وحينئذ يقال : إذا وقعت حادثة مشتملة على الضرر من جميع الوجوه فإن وجدنا نصا يدل على كونه مشروعا قضينا به تقديما للخاص على العام وإلا قضينا بالحرمة بناء على الأصل الذي قرر. واستدل بها المعتزلة على أن العباد خالقون لأفعالهم ووجه مع رده غنى عن البنيان (وَلكِنْ) لا يؤاخذهم بذلك بل (يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) سماه سبحانه وعينه لأعمالهم أو لعذابهم كي يتوالدوا أو يكثر عذابهم (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) المسمى (لا يَسْتَأْخِرُونَ) عنه (ساعَةً) أقل مدة (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) عليه ، وقد مر الكلام في نظيرها (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ) أي يثبتون له سبحانه وينسبون إليه بزعمهم (ما يَكْرَهُونَ) الذي يكرهونه لأنفسهم من البنات ، والتعبير ـ بما ـ عند أبي حيان على إرادة النوع ، وهذا على ما