الآية قال : قلت أكذبوا أم كذبوا؟ فقالت عائشة : بل كذبوا يعني بالتشديد قلت : والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن قالت : أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك فقلت : لعله (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) مخففة قالت : معاذ الله تعالى لم تكن الرسل لتظن ذلك بربها قلت : فما هذه الآية؟ قالت : هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاء نصر الله تعالى عند ذلك.
وأجاب بعضهم بأنه يمكن أن يكون أراد رضي الله تعالى عنه بالظن ما يخطر بالبال ويهجس بالقلب من شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية ، وذهب المجد بن تيمية إلى رجوع الضمائر جميعها أيضا إلى الرسل مائلا إلى ما روي عن ابن عباس مدعيا أنه الظاهر وأن الآية على حد قوله تعالى : (إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) [الحج : ٥٢] فإن الإلقاء في قلبه وفي لسانه وفي علمه من باب واحد والله تعالى ينسخ ما يلقي الشيطان ، ثم قال : والظن لا يراد به في الكتاب والسنة الاعتقاد الراجح كما هو في اصطلاح طائفة من أهل العلم ويسمون الاعتقاد المرجوح وهما فقد قال صلىاللهعليهوسلم : «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» وقال سبحانه : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) [النجم : ٢٨] فالاعتقاد المرجوح هو ظن وهو وهم ، وهذا قد يكون ذنبا يضعف الإيمان ولا يزيله وقد يكون حديث النفس المعفو عنه كما قال عليه الصلاة والسلام : «إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل» وقد يكون من باب الوسوسة التي هي صريح الإيمان كما ثبت في الصحيح أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم قالوا : يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما أن يحرق حتى يصير حمما أو يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به قال صلىاللهعليهوسلم : «أو قد وجدتموه؟ قالوا : نعم. قال : ذلك صريح الإيمان» وفي حديث آخر «إن أحدنا ليجد ما يتعاظم أن يتكلم به قال : الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة» ونظير هذا ما صح من قوله صلىاللهعليهوسلم : «نحن أحق بالشك من إبراهيم عليهالسلام إذ قال له ربه : أو لم تؤمن؟ قال : بلى ولكن ليطمئن قلبى» فسمى النبي صلىاللهعليهوسلم التفاوت بين الإيمان والاطمئنان شكا بإحياء الموتى ، وعلى هذا يقال : الوعد بالنصر في الدنيا لشخص قد يكون الشخص مؤمنا بإنجازه ولكن قد يضطرب قلبه فيه فلا يطمئن فيكون فوات الاطمئنان ظنا أنه كذب ، فالشك والظن أنه كذب من باب واحد وهذه الأمور لا تقدح في الإيمان الواجب وإن كان فيها ما هو ذنب ، فالأنبياء عليهمالسلام معصومون من الإقرار على ذلك كما في أفعالهم على ما عرف من أصول السنة والحديث ، وفي قص مثل ذلك عبرة للمؤمنين بهم عليهمالسلام فإنهم لا بد أن يبتلوا بما هو أكثر من ذلك فلا ييأسوا إذا ابتلوا ويعلمون أنه قد ابتلي من هو خير منهم وكانت العاقبة إلى خير فيتيقن المرتاب ويتوب المذنب ويقوى إيمان المؤمن وبذلك يصح الاتساء بالأنبياء ، ومن هنا قال سبحانه : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ) ولو كان المتبوع معصوما مطلقا لا يتأتى الاتساء فإنه يقول التابع أنا لست من جنسه فإنه لا يذكر بذنب فإذا أذنب استيأس من المتابعة والاقتداء لما أتى به من الذنب الذي يفسد المتابعة على القول بالعصمة بخلاف ما إذا علم أنه قد وقع شيء وجبر بالتوبة فإنه يصح حينئذ أمر المتابعة كما قيل : أول من أذنب وأجرم ثم تاب وندم أبو البشر آدم ومن يشابه به فما ظلم. ولا يلزم الاقتداء بهم فيما نهوا عنه ووقع منهم ثم تابوا عنه لتحقق الأمر بالاقتداء بهم فيما أقروا عليه ولم ينهوا عنه ووقع منهم ولم يتوبوا منه ، وما ذكر ليس بدون المنسوخ من أفعالهم وإذا كان ما أمروا به وأبيح لهم ثم نسخ تنقطع فيه المتابعة فما لم يؤمروا به ووقع منهم وتابوا عنه أحرى وأولى بانقطاع المتابعة فيه اه.
ولا يخفى أن ما ذكره مستلزم لجواز وقوع الكبائر من الأنبياء عليهمالسلام وحاشاهم من غير أن يقروا على