وقد يقال : إن إبراهيم عليهالسلام لما رأى في وجنة الكوكب ونقطة خال القمر وأسرة جبين الشمس أمارات الحدثان وصرف وجهه عنها متوجها إلى ساحة القدم المنزهة عن التغير المصونة عما يوجب النقص قائلا : (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) أسجد الله تعالى الشمس والقمر وأسجد بدل الكواكب كواكب لبعض بنيه إعظاما لأمره ومبالغة في تنزيه جلال الكبرياء ، وحيث تأخرت البراءة إلى الثالث تأخر أمر الإسجاد إلى ثالث البنين ، وليس المقصود من هذا إلا بيان بعض من أسرار تخصيص المذكور بالإراءة مع احتمال أن يكون هناك ما يصلح أن يكون رؤياه ساجدا معبرا بسجود أبويه واخوته له عليهمالسلام في عالم الحس فتدبر. (قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) فيه إشارة إلى بعض آداب المريدين ؛ فقد قالوا : إنه لا ينبغي لهم أن يفشوا سر المكاشفة إلا لشيوخهم وألا يقعوا في ورطة ويكونوا مرتهنين بعيون الغيرة.
بالسر إن باحوا تباح دماؤهم |
|
وكذا دماء البائحين تباح |
(فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) هذا من الإلهامات المجملة وهي انذارات وبشارات ، ويجوز أن يكون علم عليهالسلام ذلك من الرؤيا ؛ قال بعضهم : إن يعقوب دبر ليوسف عليهماالسلام في ذلك الوقت خوفا عليه فوكل إلى تدبيره فوقع به ما وقع ولو ترك التدبير ورجع إلى التسليم لحفظ (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) وذلك كسواطع نور الحق من وجهه وظهور علم الغيب من قلبه ومزيد الكرم من أفعاله وحسن عقبى الصبر من عاقبته ، وكسوء حال الحاسد وعدم نقض ما أبرمه الله تعالى وغير ذلك ، وقال بعضهم : إن من الآيات في يوسف عليهالسلام أنه حجة على كل من حسن الله تعالى خلقه أن لا يشوهه بمعصيته ومن لم يراع نعمة الله تعالى فعصى كان أشبه شيء بالكنيف المبيض والروث المفضض.
وقال ابن عطاء : من الآيات أن لا يسمع هذه القصة محزون مؤمن بها إلا استروح وتسرى عنه ما فيه ، (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) قيل : إن ذلك كان بكاء فرح بظفرهم بمقصودهم لكنهم أظهروا أنه بكاء حزن على فقد يوسف عليهالسلام ، وقيل : لم يكن بكاء حقيقة وإنما هو تباك من غير عبرة ؛ وجاءوا عشاء ليكونوا أجرأ في الظلمة على الاعتذار أو ليدلسوا على أبيهم ويوهموه أن ذلك بكاء حقيقة لا تباك فإنهم لو جاءوا ضحى لافتضحوا :
إذا اشتبكت دموع في خدود |
|
تبين من بكى ممن تباكى |
(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) وهو السكون إلى موارد القضاء سرا وعلنا ، وقال يحيى بن معاذ : الصبر الجميل أن يتلقى البلاء بقلب رحيب ووجه مستبشر ، وقال الترمذي : هو أن يلقى العبد عنانه إلى مولاه ويسلم إليه نفسه مع حقيقة المعرفة فإذا جاء حكم من أحكامه ثبت له مسلما ولا يظهر لوروده جزعا ولا يرى لذلك مغتما ، وأنشد الشبلي في حقيقة الصبر.
عبرات خططن في الخد سطرا |
|
فقراه من لم يكن قط يقرا |
صابر الصبر فاستغاث به الصب |
|
ر فصاح المحب بالصبر صبرا |
(قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ) قال جعفر : كان لله تعالى في يوسف عليهالسلام سر فغطى عليهم موضع سره ولو كشف للسيارة عن حقيقة ما أودع في ذلك البدر الطالع من برج دلوهم لما اكتفى قائلهم بذلك ولما اتخذوه بضاعة ، ولهذا لما كشف للنسوة بعض الأمر قلن : (ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) ولجهلهم أيضا بما أودع فيه من خزائن الغيب باعوه بثمن بخس وهو معنى قوله سبحانه : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) قال الجنيد قدسسره : كل ما وقع تحت العد والإحصاء فهو بخس ولو كان جميع ما في الكونين فلا يكن حظك البخس من ربك فتميل إليه وترضى به دون ربك جل جلاله ، وقال ابن عطاء : ليس ما باع اخوة يوسف من نفس لا يقع عليها البيع بأعجب من بيع نفسك