رمي به من السرقة أنطقهم الله تعالى حتى رموا يوسف عليهالسلام بالسرقة وهو بريء منها فكان ذلك من قبيل واحدة بواحدة ليعلم العالمون أن الجزاء واجب.
وقال بعض العارفين : إنهم صدقوا بنسبة السرقة إلى يوسف عليهالسلام ولكنها سرقة الباب العاشقين وأفئدة المحبين بما أودع فيه من محاسن الأزل (قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) الإشارة في ذلك من الحق عزوجل أن لا نفشي أسرارنا وندني إلى حضرتنا إلا من كان في قلبه استعداد قبول معرفتنا أو لا نختار لكشف جمالنا إلا من كان في قلبه شوق إلى وصالنا ، وقال بعض الخراسانيين : الإشارة فيه أنا لا نأخذ من عبادنا أشد أخذ إلا من ادعى فينا أو أخبر عنا ما لم يكن له الاخبار عنه والادعاء فيه ، وقال بعضهم : إلا من مد يده إلى ما لنا وادعاه لنفسه ، وقال أبو عثمان : الإشارة أنا لا نتخذ من عبادنا وليا إلا من ائتمناه على ودائعنا فحفظها ولم يخن فيها ، ولطيفة الواقعة أنه عليهالسلام لم يرض أن يأخذ بدل حبيبه إذ ليس للحبيب بديل في شرع المحبة.
أبى القلب إلا حب ليلى فبغضت |
|
إلى نساء ما لهن ذنوب |
(إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) قال بعضهم : إنهم صدقوا بذلك لكنه سرق أسرار يوسف عليهالسلام حين سمع منه في الخلوة ما سمع ولم يبده لهم (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) كأنه عليهالسلام لما رأى اشتداد البلاء قوي رجاؤه بالفرج فقال ما قال :
اشتدى أزمة تنفرجي |
|
قد آذن ليلك بالبلج |
وكان لسان حاله يقول :
دنا وصال الحبيب واقتربا |
|
وا طربا للوصال وا طرابا |
(وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) قال بعض العارفين : إن تأسفه على رؤية جمال الله تعالى من مرآة وجه يوسف عليهالسلام وقد تمتع بذلك برهة من الزمان حتى حالت بينه وبينه طوارق الحدثان فتأسف عليهالسلام لذلك واشتاقت نفسه لما هنالك :
سقى الله أياما لنا ولياليا |
|
مضت فجرت من ذكرهن دموع |
فيا هل لها يوما من الدهر أوبة |
|
وهل لي إلى أرض الحبيب رجوع |
(وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ) حيث بكى حتى أضر بعينيه وكان ذلك حتى لا يرى غير حبيبه.
لما تيقنت أني لست أبصركم |
|
غمضت عيني فلم انظر إلى أحد |
قال بعض العارفين : الحكمة في ذهاب بصر يعقوب وبقاء بصر آدم وداود عليهماالسلام مع أنهما بكيا دهرا طويلا أن بكاء يعقوب كان بكاء حزن معجون بألم الفراق حيث فقد تجلي جمال الحق من مرآة وجه يوسف ولا كذلك بكاء آدم وداود فإنه كان بكاء الندم والتوبة وأين ذلك المقام من مقام العشق. وقال أبو سعيد القرشي : إنما لم يذهب بصرهما لأن بكاءهما كان من خوف الله تعالى فحفظا وبكاء يعقوب كان لفقد لذة فعوتب ، وقيل : يمكن أن يكون ذهاب بصره عليهالسلام من غيرة الله تعالى عليه حين بكى لغيره وإن كان واسطة بينه وبينه ، ولهذا جاء أن الله تعالى أوحى إليه يا يعقوب أتتأسف على غيري وعزتي لآخذن عينيك ولا أردهما عليك حتى تنساه ، واختار بعض العارفين أن ذلك الأسف والبكاء ليسا إلا لفوات ما انكشف له عليهالسلام من تجلي الله تعالى في مرآة وجه يوسف عليهالسلام ، ولعمري إنه لو كان شاهد تجليه تعالى في أول التعنيات وعين أعيان الموجودات صلىاللهعليهوسلم لنسي ما رأى ولما عراه ما عرا ولله تعالى در سيدي ابن الفارض حيث يقول :