ذلك أبو حيان على أن المراد الإخبار لا التعجب ، والضمير المجرور لله تعالى أي أبصر عباده بمعرفته سبحانه وأسمعهم ، وجوز أن يكون (أَبْصِرْ) أفعل تفضيل وكذا (أَسْمِعْ) وهو منصوب على الحالية من ضمير له وضمير (بِهِ) عائد على الغيب وليس المراد حقيقة التفضيل بل عظم شأن بصره تعالى وسمعه عزوجل ، ولعل هذا أقرب مما ذكره أبو حيان ، وحاصل المعنى عليه أنه جل شأنه يعلم غيب السموات والأرض بصيرا به وسميعا على أتم وجه وأعظمه (ما لَهُمْ) أي لأهل السموات والأرض المدلول عليه بذكرهما (مِنْ دُونِهِ) تعالى (مِنْ وَلِيٍ) من يتولى أمورهم (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ) في قضائه تعالى (أَحَداً) كائنا من كان ولا يجعل له فيه مدخلا ، وقيل يحتمل أن يعود الضمير لأصحاب الكهف وإضافة حكم للعهد على معنى ما لهم من يتولى أمرهم ويحفظهم غيره سبحانه ولا يشرك في حكمه الذي ظهر فيهم أحدا من الخلق.
وجوز ابن عطية أن يعود على معاصري رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الكفار المشاقين له عليه الصلاة والسلام وجعل الآية اعتراضا بتهديد ، وقيل : يحتمل أن يعود على معنى مؤمني أهل السموات والأرض. والمراد أنهم لن يتخذوا من دونه تعالى وليا ، وقيل : يعود على المختلفين في مدة لبث أصحاب الكهف أي لا يتولى أمرهم غير الله تعالى فهم لا يقدرون بغير إقداره سبحانه فكيف يعلمون بغير إعلامه عزوجل والكل كما ترى ، ثم لا يخفى عليك أن ما في النظم الكريم أبلغ في نفي الشريك من أن يقال من ولي ولا شريك.
وقرأ مجاهد «ولا يشرك» بالياء آخر الحروف والجزم ، قال يعقوب : لا أعرف وجه ذلك ، ووجه بعضهم بأنه سكن بنية الوقف. وقرأ ابن عامر والحسن وأبو رجاء وقتادة والجحدري وأبو حيوة وزيد وحميد بن الوزير عن يعقوب والجعفي واللؤلؤي عن أبي بكر «ولا تشرك» بالتاء ثالث الحروف والجزم على أنه نهي لكل أحد عن الشرك لا نهي له صلىاللهعليهوسلم ولو جعل له عليه الصلاة والسلام لجعل تعريضا بغيرة كقوله : إياك أعني واسمعي يا جارة. فيكون مآله إلى ذلك ، وجوز أن يكون الخطاب له صلىاللهعليهوسلم ويجعل معطوفا على (لا تَقُولَنَ) والمعنى لا تسأل أحدا عما لا تعرفه من قصة أصحاب الكهف ولبثهم واقتصر على ما يأتيك في ذلك من الوحي أو لا تسأل أحدا عما أخبرك الله تعالى به من نبأ مدة لبثهم واقتصر على بيانه سبحانه ولا يخفى ما فيه من كثرة مخالفة الظاهر وإن كان أشد مناسبة لقوله تعالى :
(وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) ووجه الربط على القراءة المشهورة حسبما تقدم من تفسيرها أنه سبحانه لما ذكر قصة أصحاب الكهف وكانت من المغيبات بالإضافة إليه صلىاللهعليهوسلم ودل اشتمال القرآن عليها على أنه وحي معجز من حيثية الاشتمال وإن كانت جهة إعجازه غير منحصرة في ذلك أمره جل شأنه بالمواظبة على درسه بقوله سبحانه (وَاتْلُ) إلخ وهو أمر من التلاوة بمعنى القراءة أي لازم تلاوة ذلك على أصحابك أو مطلقا ولا تكترث بقول من يقول لك ائت بقرآن غير هذا أو بدله ، وجوز أن يكون (اتْلُ) أمرا من التلو بمعنى الاتباع أي اتبع ما أوحي إليك والزم العمل به ، وقيل وجه الربط أنه سبحانه لما نهاه عن المراء المتعمق فيه وعن الاستفتاء أمره سبحانه بأن يتلو ما أوحي إليه من أمرهم فكأنه قيل اقرأ ما أوحي إليك من أمرهم واستغن به ولا تتعرض لأكثر من ذلك أو اتبع ذلك وخذ به ولا تتعمق في جدالهم ولا تستفت أحدا منهم فالكلام متعلق بما تقدم من النواهي ، والمراد بما أوحي إلخ هو الآيات المتضمنة شرح قصة أصحاب الكهف ، وقيل : متعلق بقوله تعالى : (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) أي قل لهم ذلك واتل عليهم أخباره عن مدة لبثهم فالمراد بما أوحي إلخ ما تضمن هذا الإخبار ، وهذا دون ما قبله بكثير بل لا ينبغي أن يلتفت إليه ، والمعول عليه أن المراد بما أوحي ما هو أعم مما تضمن القصة وغيره من كتابه تعالى.
(لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) لا يقدر أحد على تبديلها وتغييرها غيره وأما هو سبحانه فقدرته شاملة لكل شيء يمحو ما