في الشرط ، وذكر السرخسي أنه معنى حقيقي لها لكن النحاة لم يتعرضوا له ، وقد تردد السبكي في وروده في كلام العرب ، والحق أنه استعمال صحيح يشهد به الكتاب حقيقة كان أو مجازا ولا ينافي انفهام الشرطية تعلق الحرف بالفعل الذي قبله كما قالوا فيما ذكرنا من الآية كما أنه لا ينافيه تعلقه بمحذوف يقع حالا كما قيل به هنا فيكون المعنى هل اتبعك باذلا تعليمك إياي (مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) أي علما ذا رشد وهو إصابة الخير وقرأ أبو عمرو والحسن والزهري وأبو بحرية وابن محيصن وابن مناذر ويعقوب وأبو عبيد واليزيدي «رشدا» بفتحتين ؛ وأكثر السبعة بالضم والسكون وهما لغتان كالبخل والبخل ، ونصبه في الأصل على أنه صفة للمفعول الثاني لتعلمني ووصف به للمبالغة لكن أقيم مقامه بعد حذفه والمفعول الثاني لعلمت الضمير العائد على ما الموصولة أي من الذي علمته ، والفعلان مأخوذان من علم المتعدي إلى مفعول واحد ، وجوز أن يكون (مِمَّا عُلِّمْتَ) هو المفعول الثاني لتعلمني و «رشدا» بدل منه وهو خلاف الظاهر ، وأن يكون (رُشْداً) مفعولا له لأتبعك أي هل أتبعك لأجل إصابة الخير فيتعين أن يكون المفعول الثاني لتعلمني (مِمَّا عُلِّمْتَ) لتأويله ببعض ما علمت أو علما مما علمت ، وأن يكون مصدرا بإضمار فعله أي أرشد رشدا والجملة استئنافية والمفعول الثاني (مِمَّا عُلِّمْتَ) أيضا. واستشكل طلبه عليهالسلام التعليم بأنه رسول من أولي العزم فكيف يتعلم من غيره والرسول لا بد أن يكون أعلم أهل زمانه ، ومن هنا قال نوف وأضرابه : إن موسى هذا ليس هو ابن عمران وإن كان ظاهر إطلاقه يقتضي أن يكون إياه. وأجيب بأن اللازم في الرسول أن يكون أعلم في العقائد وما يتعلق بشريعته لا مطلقا ولذا قال نبينا صلىاللهعليهوسلم «أنتم أعلم بأمور دنياكم» فلا يضر في منصبه أن يتعلم علوما غيبية وأسرارا خفية لا تعلق لها بذلك من غيره لا سيما إذا كان ذلك الغير نبيا أو رسولا أيضا كما قيل في الخضر عليهالسلام ، ونظير ما ذكر من وجه تعلم عالم مجتهد كأبي حنيفة والشافعي رضي الله تعالى عنهما علم الجفر مثلا ممن دونه فإنه لا يخل بمقامه ، وإنكار ذلك مكابرة.
ولا يرد على هذا أن علم الغيب ليس علما ذا رشد أي إصابة خير وموسى عليهالسلام كان بصدد تعلم علم يصيب به خيرا لقوله تعالى : قل (لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) [الأعراف : ١٨٨] وقال بعضهم : اللازم كون الرسول أعلم من أمته والخضر عليهالسلام نبي لم يرسل إليه ولا هو مأمور باتباع شريعته فلا ينكر تفرده بما لم يعلمه غيره ، ولا يخفى أنه على هذا ليس الخضر عليهالسلام من بني إسرائيل لأن الظاهر إرسال موسى عليهالسلام إليهم جميعا كذا قيل. ثم إن الذي أميل إليه أن لموسى عليهالسلام علما بعلم الحقيقة المسمى بالعلم الباطن والعلم اللدني إلا أن الخضر أعلم به منه وللخضر عليهالسلام سواء كان نبيا أو رسولا علما بعلم الشريعة المسمى بالعلم الظاهر إلا أن موسى عليهالسلام أعلم به منه فكل منهما أعلم من صاحبه من وجه ، ونعت الخضر عليهالسلام في الأحاديث السابقة بأنه أعلم من موسى عليهالسلام ليس على معنى أنه أعلم منه من كل وجه بل على معنى أنه أعلم من بعض الوجوه وفي بعض العلوم لكن لما كان الكلام خارجا مخرج العتب والتأديب أخرج على وجه ظاهره العموم ، ونظير هذا آيات الوعيد على ما قيل من أنها مقيدة بالمشيئة لكنها لم تذكر لمزيد الإرهاب ، وأفعل التفضيل وإن كان للزيادة في حقيقة الفعل إلا أن ذلك على وجه يعم الزيادة في فرد منه ، ويدل على ذلك صحة التقييد بقسم خاص كما تقول زيد أعلم من عمرو في الطب وعمرو أعلم منه في الفلاحة ، ولو كان معناه الزيادة في مطلق العلم كان قولك زيد أعلم من عمرو مستلزما لأن لا يكون عمرو أعلم منه في شيء من العلوم فلا يصح تفضيل عمرو عليه في علم الفلاحة ، وإنكار صدق الأعلم المطلق مع صدق المقيد التزام لصدق المقيد بدون المطلق ، وقد جاء إطلاق أفعل التفضيل والمراد منه التفضيل من وجه على ما ذكره الشيخ ابن الحاجب في أمالي القرآن ضمن عداد الأوجه في حل الإشكال المشهور في قوله تعالى : (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها) [الزخرف : ٤٨] من أن المراد إلا هي