لدن فلا حذف أصلا ؛ وتعقب بأن نون الوقاية إنما هي في المبني على السكون لتقيه الكسر و ـ لد ـ بلا نون مضموم. ورد بأنه لا مانع من أن يقال : إنها وقته من زوال الضم ؛ وأشم شعبة الضم في الدال وروي عن عاصم أنه سكنها ، وقال مجاهد : سوء غلط ، ولعله أراد رواية وإلا فقد ذكروا أن لد بالفتح والسكون لغة في لدن ، وقرأ عيسى «عذرا» بضم الذال ورويت عن أبي عمرو وعن أبي «عذري» بالإضافة إلى ياء المتكلم.
(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ) الجمهور على أنها أنطاكية وحكاه الثعلبي عن ابن عباس ، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق قتادة عنه أنها برقة وهي كما في القاموس اسم لمواضع ، وفي المواهب أنها قرية بأرض الروم والله تعالى أعلم ، وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن السدي أنها باجروان وهي أيضا اسم لمتعدد إلا أنه ذكر بعضهم أن المراد بها قرية بنواحي أرمينية ، وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين أنها الأبلة بهمزة وباء موحدة ولام مشددة ، وقيل : قرية على ساحل البحر يقال لها ناصرة وإليها تنسب النصارى قال في مجمع البيان وهو المروي عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه ، وقيل : قرية في الجزيرة الخضراء من أرض الأندلس ، قال ابن حجر : والخلاف هنا كالخلاف في مجمع البحرين ولا يوثق بشيء منه ، وفي الحديث أتيا أهل قرية لئاما (اسْتَطْعَما أَهْلَها) في محل الجر على أنه صفة لقرية ، وجواب إذا (قالَ) الآتي إن شاء الله تعالى وسلك بذلك نحو ما سلك في القصة الثانية من جعل الاعتراض عمدة الكلام للنكتة التي ذكرها هناك شيخ الإسلام ، وذهب أبو البقاء وغيره إلى أنه هو الجواب والآتي مستأنف نظير ما في القصة الأولى ، والوصفية مختار المحققين كما ستعلمه إن شاء الله تعالى. وهاهنا سؤال مشهور وقد نظمه الصلاح الصفدي ورفعه إلى الإمام تقي الدين السبكي فقال :
أسيدنا قاضي القضاة ومن إذا |
|
بدا وجهه استحى له القمران |
ومن كفه يوم الندى ويراعه |
|
على طرسه بحران يلتقيان |
ومن إن دجت في المشكلات مسائل |
|
جلاها بفكر دائم اللمعان |
رأيت كتاب الله أعظم معجز |
|
لأفضل من يهدى به الثقلان |
ومن جملة الإعجاز كون اختصاره |
|
بإيجاز ألفاظ وبسط معاني |
ولكنني في الكهف أبصرت آية |
|
بها الفكر في طول الزمان عناني |
وما هي إلا استطعما أهلها فقد |
|
نرى استطعماهم مثله ببيان |
فما الحكمة الغراء في وضع ظاهر |
|
مكان ضمير إن ذاك لشان |
فأرشد على عادات فضلك حيرتي |
|
فما لي إلى هذا الكلام يدان |
فأجاب السبكي بأن جملة (اسْتَطْعَما) محتملة لأن تكون في محل جر صفة لقرية وأن تكون في محل نصب صفة لأهل وأن تكون جواب إذا ولا احتمال لغير ذلك ، ومن تأمل علم أن الأول متعين معنى وأن الثاني والثالث وإن احتملتهما الآية بعيدان عن مغزاها ، أما الثالث فلأنه يلزم عليه كون المقصود الإخبار بالاستطعام عند الإتيان وأن ذلك تمام معنى الكلام ، ويلزمه أن يكون معظم قصدهما أو هو طلب الطعام مع أن القصد هو ما أراد ربك مما قص بعد وإظهار الأمر العجيب لموسى عليهالسلام ، وأما الثاني فلأنه يلزم عليه أن تكون العناية بشرح حال الأهل من حيث هم هم ولا يكون للقرية أثر في ذلك ونحن نجد بقية الكلام مشيرا إليها نفسها فيتعين الأول ويجب فيه (اسْتَطْعَما أَهْلَها) ولا يجوز استطعماهم أصلا لخلو الجملة عن ضمير الموصوف.
وعلى هذا يفهم من مجموع الآيات أن الخضر عليهالسلام فعل ما فعل في قرية مذموم أهلها وقد تقدم منهم