السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى)(١٣٥)
(وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) أي ذلت وخضعت خضوع العناة أي الأسارى ، والمراد بالوجوه إما الذوات وإما الأعضاء المعلومة وتخصيصها بالذكر لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة وآثار الذل أول ما تظهر فيها ، وأل فيها للعهد أو عوض عن المضاف إليه أي وجوه المجرمين فتكون الآية نظير قوله تعالى : (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الملك : ٢٧] واختار ذلك الزمخشري وجعل قوله تعالى : (وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) اعتراضا ووضع الموصول موضع ضميرهم ليكون أبلغ ، وقيل : الوجوه الأشراف أي عظماء الكفرة لأن المقام مقام الهيبة ولصوق الذلة بهم أولى والظلم الشرك وجملة (وَقَدْ خابَ) إلخ حال والرابط الواو لا معترضة لأنها في مقابلة وهو مؤمن فيما بعد انتهى. قال صاحب الكشف : الظاهر مع الزمخشري والتقابل المعنوي كاف فإن الاعتراض لا يتقاعد عن الحال انتهى.
وأنت تعلم أن تفسير الظلم بالشرك مما لا يختص بتفسير الوجوه بالإشراف وجعل الجملة حالا بل يكون على الوجه الأول أيضا بناء على أن المراد بالمجرمين الكفار ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال في قوله تعالى : (وَقَدْ خابَ) إلخ خسر من أشرك بالله تعالى ولم يتب ، وقال غير واحد : الظاهر أن أل للاستغراق أي خضعت واستسلمت جميع الوجوه وقوله تعالى (وَقَدْ خابَ) إلخ يحتمل الاستئناف والحالية ، والمراد بالموصول إما المشركون وإما ما يعمهم وغيرهم من العصاة وخيبة كل حامل بقدر ما حمل من الظلم فخيبة المشرك دائمة وخيبة المؤمن العاصي مقيدة بوقت العقوبة إن عوقب. وقد تقدم لك معنى ـ الحي القيوم ـ في آية الكرسي. والظاهر أن قوله تعالى (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) قسيم لقوله سبحانه (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ) إلى آخر ما تقدم ولقوله عزوجل «وقد خاب من حمل ظلما» على هذا كما صرح به ابن عطية وغيره أي ومن يعمل بعض الصالحات أو بعضا من الصالحات (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) أي بما يجب الإيمان به. والجملة في موضع الحال والتقييد بذلك لأن الإيمان شرط في صحة الطاعات وقبول الحسنات (فَلا يَخافُ ظُلْماً) أي منع ثواب مستحق بموجب الوعد (وَلا هَضْماً) ولا منع بعض منه تقول العرب هضمت حقي أي نقصت منه ومنه هضيم الكشحين أي ضامرهما وهضم الطعام تلاشى في المعدة. روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة أن المعنى فلا يخاف أن يظلم فيزاد في سيئاته ولا أن يهضم فينقص من حسناته. والأول مروي عن ابن زيد ، وقيل الكلام على حذف مضاف أي فلا يخاف جزاء ظلم وهضم إذ لم يصدر عنه ظلم ولا هضم حق أحد حتى يخاف ذلك أو أنه أريد من الظلم والهضم جزاؤهما مجازا ، ولعل المراد على ما قيل نفي الخوف عنه من ذلك من حيث إيمانه وعمله بعض الصالحات ويتضمن ذلك نفي أن يكون العمل الصالح مع الإيمان ظلما أو هضما.
وقيل : المراد أن من يعمل ذلك وهو مؤمن هذا شأنه لصون الله تعالى إياه عن الظلم أو الهضم ولأنه لا يعتد بالعمل الصالح معه. فلا يرد ما قيل إنه لا يلزم من الإيمان وبعض العمل أن لا يظلم غيره ويهضم حقه ولا يخفى عليك أن القول بحذف المضاف والتجوز في هذه الآية في غاية البعد وما قيل من الاعتراض قوي وما أجيب به كما ترى. ثم إن ظاهر كلام الجوهري أنه لا فرق بين الظلم والهضم ، وظاهر الآية قاض بالفرق وكذا قول المتوكل الليثي :
إن الأذلة واللئام لمعشر |
|
مولاهم المتهضم المظلوم |
وممن صرح به الماوردي حيث قال : الفرق بينهما أن الظلم منع الحق كله والهضم منه بعضه. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد «فلا يخف» على النهي. قال الطيبي : قراءة الجمهور توافق قوله تعالى : (وَقَدْ خابَ) إلخ من