الْخاسِرِينَ) [الأعراف : ٢٣] (وَهَدى) أي إلى الثبات على التوبة والتمسك بما يرضي المولى سبحانه وتعالى ، وقيل إلى كيفية التوبة بتعليم الكلمات والواو لمطلق الجمع فلا يضر كون ذلك قبل التوبة عليه ، وقيل : إلى النبوة والقيام بما تقتضيه. وقدم أبو حيان هذا على سائر الاحتمالات التي ذكرها ، والنيسابوري فسر الاجتباء بالاختيار للرسالة وجعل الآية دليلا على أن ما جرى كان قبل البعثة ولم يصرح سبحانه بنسبة العصيان والغواية إلى حواء بأن يسندهما إلى ضمير التثنية الذي هو عبارة عنها ، وعن آدم عليهالسلام كما أسند الأكل وما بعده إلى ذلك إعراضا عن مزيد النعي على الحرم وأن الأهم نظرا إلى مساق القصة التصريح بما أسند إلى آدم عليهالسلام ويتضمن ذلك رعاية الفواصل وحيث لم يصرح جل وعلا بعصيانها لم يتعرض لتوفيقها للتوبة وقبولها منها ، وقال بعضهم : إنه تعالى اكتفى بذكر شأن آدم عليهالسلام لما أن حواء تبع له في الحكم ولذا طوي ذكر النساء في أكثر مواقع الكتاب والسنة.
(قالَ) استئناف مبني على سؤال نشأ من الإخبار بأنه تعالى عامله بما عامله كأنه قيل : فما ذا أمره بعد ذلك؟ فقيل : قال له ولزوجته (اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) أي انزلا من الجنة إلى الأرض مجتمعين ، وقيل : الخطاب له عليهالسلام ولإبليس عليه اللعنة فإنه دخل الجنة بعد ما قيل له (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) [الحجر : ٣٤] للوسوسة ، وخطابهما على الأول بقوله تعالى (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) لما أنهما أصل الذرية ومنشأ الأولاد فالتعادي في الحقيقة بين أولادهما. وهذا على عكس مخاطبة اليهود ونسبة ما فعل آباؤهم إليهم. والجملة في موضع الحال أي متعادين في أمر المعاش وشهوات الأنفس. وعلى الثاني ظاهر لظهور العداوة بين آدم عليهالسلام وإبليس عليه اللعنة وكذا بين ذرية آدم عليهالسلام وذرية اللعين. ومن هنا قيل : الضمير لآدم وذريته وإبليس وذريته.
وزعم بعضهم أنه لآدم وإبليس والحية والمعول عليه الأول ويؤيد ذلك قوله تعالى (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) إلخ أي نبي أرسله إليكم وكتاب أنزله عليكم (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ) وضع الظاهر موضع المضمر مع الإضافة إلى ضميره تعالى لتشريفه والمبالغة في إيجاب اتباعه.
وأخرج الطبراني وغيره عن أبي الطفيل أن النبي صلىاللهعليهوسلم قرأ (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُ) في الدنيا (وَلا يَشْقى) في الآخرة ، وفسر بعضهم الهدى بالقرآن لما أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه. والبيهقي في شعب الإيمان من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : أجار الله تعالى تابع القرآن من أن يضل في الدنيا أو يشقى في الآخرة ثم قرأ الآية ، وأخرج جماعة عنه مرفوعا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بلفظ «من اتبع كتاب الله هداه الله تعالى من الضلالة في الدنيا ووقاه سوء الحساب يوم القيامة» ، ورجح على العموم بقيام القرينة عليه وهو قوله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) بناء على تفسير الذكر بالقرآن ، وكذا قوله تعالى بعد (كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها) [طه : ١٢٦] والمختار العموم أن يقول : الذكر يقع على القرآن وعلى سائر الكتب الإلهية ، وكذا الآيات تكون بمعنى الأدلة مطلقا ، وقد فسر الذكر أيضا هنا بالهدى لأنه سبب ذكره تعالى وعبادته سبحانه ، فأطلق المسبب وأريد سببه لوقوعه في المقابلة ، وما في الخبر من باب التنصيص على حكم أشرف الأفراد المدلول عليه بالعموم اعتناء بشأنه. ثم إن تقييد لا (يَضِلُ) بقولنا في الدنيا (وَلا يَشْقى) بقولنا في الآخرة هو الذي يقتضيه الخبر.
وجوز بعضهم العكس أي فلا يضل طريق الجنة في الآخرة ولا يتعب في أمر المعيشة في الدنيا ، وجعل الأول في مقابلة (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) والثاني في مقابلة (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) ثم قال : وتقديم حال الآخرة على حال الدنيا في المهتدين لأن مطمح نظرهم أمر آخرتهم بخلاف خلافهم فطن نظرهم مقصور على دنياهم ، ولا يخفى أن الذي نطقت به الآثار هو الأول ، وذكر بعضهم أنه المتبادر ، نعم ما ذكر لا يخلو عن حسن وإن قيل : فيه