هو جواب عن سؤال نشأ مما قبله كأنه قيل ما ذا قالوا في نجواهم؟ فقيل قالوا هذا إلخ أو بدل من (أَسَرُّوا) أو معطوف عليه ، وقيل حال أي قائلين هل هذا إلخ وهو مفعول لقول مضمر قبل الموصول على ما اختاره النحاس ، وقيل مفعول للنجوى نفسها لأنها في معنى القول والمصدر المعرف يجوز إعماله الخليل ، وسيبويه ، وقيل بدل منها أي أسروا هذا الحديث ، و (هَلْ) بمعنى النفي وليست للاستفهام التعجبي كما زعم أبو حيان ، والهمزة في قوله تعالى : (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ) للإنكار والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، وقوله سبحانه : (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) حال من فاعل تأتون مقررة للإنكار مؤكدة للاستبعاد ، وأرادوا كما قيل ما هذا إلا بشر مثلكم أي من جنسكم وما أتى به سحر تعلمون ذلك فتأتونه وتحضرونه على وجه الإذعان والقبول وأنتم تعاينون أنه سحر قالوه بناء على ما ارتكز في اعتقادهم الزائغ أن الرسول لا يكون إلا ملكا وأن كل ما يظهر على يد البشر من الخوارق من قبيل السحر ، وعنوا بالسحر هاهنا القرآن ففي ذلك إنكار لحقيته على أبلغ وجه قاتلهم الله تعالى أنّى يؤفكون ، وإنما أسروا ذلك لأنه على طريق توثيق العهد وترتيب مبادئ الشر والفساد وتمهيد مقدمات المكر والكيد في هدم أمر النبوة وإطفاء نور الدين والله تعالى يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون ، وقيل أسروه ليقولوا للرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين إن كان ما تدعونه حقا فأخبرونا بما أسررناه؟ ورده في الكشف بأنه لا يساعده النظم ولا يناسب المبالغة في قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) ولا في قوله سبحانه : (أَفَتَأْتُونَ) السحر (قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) حكاية من جهته تعالى لما قال عليه الصلاة والسلام بعد ما أوحى إليه أحوالهم وأقوالهم بيانا لظهور أمرهم وانكشاف سرهم ففاعل (قالَ) ضميره صلىاللهعليهوسلم والجملة بعده مفعوله ، وهذه القراءة قراءة حمزة والكسائي وحفص والأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وأيوب وخلف وابن سعدان وابن جبير الأنطاكي وابن جرير ، وقرأ باقي السبعة «قل» على الأمر لنبيه صلىاللهعليهوسلم ، و «القول» عام يشمل السر والجهر فإيثاره على السر لإثبات علمه سبحانه به على النهج البرهاني مع ما فيه من الإيذان بأن علمه تعالى بالأمرين على وتيرة واحدة لا تفاوت بينهما بالجلاء والخفاء قطعا كما في علوم الحق.
وفي الكشف أن بين السر والقول عموما وخصوصا من وجه والمناسب في هذا المقام تعميم القول ليشمل جهره وسره والأخفى فيكون كأنه قيل يعلم هذا الضرب وما هو أعلى من ذلك وأدنى منه وفي ذلك من المبالغة في إحاطة علمه تعالى المناسبة لما حكى عنهم من المبالغة في الإخفاء ما فيه ؛ وإيثار السر على القول في بعض الآيات لنكتة تقتضيه هناك ولكل مقام مقال ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالا من القول أي كائنا في السماء والأرض ، وقوله سبحانه : (وَهُوَ السَّمِيعُ) أي بجميع المسموعات (الْعَلِيمُ) أي بجميع المعلومات ، وقيل أي المبالغ في العلم بالمسموعات والمعلومات ويدخل في ذلك أقوالهم وأفعالهم دخولا أوليا اعتراض تذييلي مقدر لمضمون ما قبله متضمن للوعيد بمجازاتهم على ما صدر منهم ، ويفهم من كلام البحر أن ما قبل متضمن ذلك أيضا (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) إضراب من جهته تعالى وانتقال من حكاية قولهم السابق إلى حكاية قول آخر مضطرب باطل أي لم يقتصروا على القول في حقه صلىاللهعليهوسلم هل هذا إلا بشر مثلكم وفي حق ما ظهر على يده من القرآن الكريم إنه سحر بل قالوا هو أي القرآن تخاليط الأحلام ثم أضربوا عنه فقالوا (بَلِ افْتَراهُ) من تلقاء نفسه من غير أن يكون له أصل أو شبهة أصل ثم أضربوا فقالوا : (بَلْ هُوَ شاعِرٌ) وما أتى به شعر يخيل إلى السامع معاني لا حقيقة لها ، وهذا الاضطراب شأن المبطل المحجوج فإنه لا يزال يتردد بين باطل وأبطل ويتذبذب بين فاسد وأفسد ؛ فبل الأولى كما نرى من كلامه عزوجل وهي انتقالية والمنتقل منه ما تقدم باعتبار خصوصه والأخيرتان من كلامهم المحكي وهما ابطاليتان لترددهم وتحيرهم في تزويرهم وجملة المقول داخلة في النجوى.