وعن بعض الفضلاء أن الضمير في (أَنَّهُ) للمجادل أي كتب على الشيطان أن المجادل من تولاه وقوله تعالى : (فَأَنَّهُ) إلخ عطف على (أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ) واعترض بأن اتصاف الشيطان بتولي المجادل إياه مقتضى المقام لا العكس وأنه لو جعلت من في (مَنْ تَوَلَّاهُ) موصولة كما هو الظاهر لزم أن لا يتولاه غير المجادل وهذا الحصر يفوت المبالغة.
وفي البحر الظاهر أن الضمير في (عَلَيْهِ) عائد على من لأنه المحدث عنه ، وفي أنه وتولاه وفي فإنه عائد عليه أيضا والفاعل بتولي ضمير من وكذا الهاء في يضله ، ويجوز أن يكون الهاء في أنه على هذا الوجد ضمير الشأن والمعنى أن هذا المجادل لكثرة جداله بالباطل واتباعه الشيطان صار إماما في الضلال لمن يتولاه فشأنه أن يضل من يتولاه انتهى. وعليه تكون جملة كتب إلخ مستأنفة لا صفة لشيطان ، والأظهر جعل ضمير (عَلَيْهِ) عائدا على الشيطان وهو المروي عن قتادة ، وأيّا ما كان فكتب بمعنى مضى وقدر ويجوز أن يكون على ظاهره ، وفي الكشاف أن الكتبة عليه مثل أي كأنما كتب عليه ذلك لظهوره في حاله ، ولا يخفى ما في (يَهْدِيهِ) من الاستعارة التمثيلية التهكمية.
وقرئ «كتب» مبنيا للفاعل أي كتب الله. وقرئ «فإنه» بكسر الهمزة فالجملة خبر من أو جواب لها ، وقرأ الأعمش والجعفي عن أبي عمرو «إنه» «فإنّه» بكسر الهمزة فيهما ووجهه الكسر في الثانية ظاهر ، وأما وجهه في الأولى فهو كما استظهر أبو حيان إسناد (كُتِبَ) إلى الجملة إسنادا لفظيا أي كتب عليه هذا الكلام كما تقول كتبت أن الله تعالى يأمر بالعدل والإحسان أو تقدير قول وجعل الجملة معمولة له أو تضمين الفعل معنى ذلك أي كتب عليه مقولا في شأنه أنه من تولاه (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) إلخ إقامة للحجة التي تلقم المجادلين في البعث حجرا إثر الإشارة إلى ما يؤول إليه أمرهم ، واستظهر أن المراد بالناس هنا الكفرة المجادلون المنكرون للبعث ، والتعبير عن اعتقادهم في حقه بالريب أي الشك مع أنهم جازمون بعدم إمكانه إما للإيذان بأن أقصى ما يمكن صدوره عنهم وإن كانوا في غاية ما يكون من المكابرة والعناد هو الارتياب في شأنه ، وإما الجزم بعدم الإمكان فخارج من دائرة الاحتمال كما أن تنكيره وتصديره بكلمة الشك للإشعار بأن حقه أن يكون ضعيفا مشكوك الوقوع ، وإما للتنبيه على أن جرمهم ذلك بمنزلة الريب الضعيف لكمال وضوح دلائل الإمكان ونهاية قوتها. وإنما لم يقل وإن ارتبتم في البعث للمبالغة في تنزيه أمره عن شائبة وقوع الريب والإشعار بأن ذلك إن وقع فمن جهتهم لا من جهته ، واعتبار استقرارهم فيه وإحاطته بهم لا ينافي اعتبار ضعفه وقلّته لما أن ما يقتضيه ذلك هو دوام ملابستهم به لا قوته وكثرته ، ومن ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع صفة للريب ، واستظهر أن المراد في ريب من إمكان البعث لأنه الذي يقتضيه ما بعد ، وجوز أن يكون المراد من وقوع البعث ، واعترض بأن الدليل المشار إليه فيما بعد إنما يدل على الإمكان مع ما يلزم من التكرار مع قوله تعالى الآتي (أَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) وفيه تأمل فتأمل ، وقرأ الحسن «من البعث» بفتح العين وهي لغة فيه كالجلب والطرد في الجلب والطرد عند البصريين ، وعند الكوفيين إسكان العين تخفيف وهو قياسي في كل ما وسطه حرف حلق كالنهر والنهر والشعر والشعر.
وقوله تعالى : (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) دليل جواب الشرط أو هو الجواب بتأويل أي وإن كنتم في ريب من البعث فانظروا إلى مبدأ خلقكم ليزول ريبكم فإنا خلقناكم إلخ ، وقيل : التقدير فأخبركم وأعلمكم أنا خلقناكم إلخ وليس بذاك ، وخلقهم من تراب في ضمن خلق آدم عليهالسلام منه أو بخلق الأغذية التي يتكون منها المني منه وهي وإن تكونت من سائر العناصر معه إلا أنه أعظم الأجزاء على ما قيل فلذلك خصه بالذكر من بينها ، واختير الأول وجعل