(وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ) وقرأ الجمهور بالنون ، والجملة استئناف مسوق لبيان حالهم بعد تمام خلقهم وتوارد الأطوار عليهم أي ونقر في الأرحام بعد ذلك ما نشاء أن نقره فيها («إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) هو وقت الوضع وأدناه ستة أشهر وأقصاه عندنا سنتان وعند الشافعي عليه الرحمة أربع سنين ، وعن يعقوب أنه قرأ «ونقرّ» بفتح النون وضم القاف من قررت الماء إذا صببته ، وقرأ يحيى بن وثاب ما نشاء بكسر النون.
(ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ) أي من الأرحام بعد إقراركم فيها عند تمام الأجل المسمى (طِفْلاً) حال من ضمير المخاطبين ، والأفراد إما باعتبار كل واحد منهم أو بإرادة الجنس الصادق على الكثير أو لأنه مصدر فيستوي فيه الواحد وغيره كما قال المبرد أو لأن المراد طفلا طفلا فاختصر كما نقله الجلال السيوطي في الأشباه النحوية.
وقرأ عمر بن شبة «يخرجكم» بالياء (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) أي كمالكم في القوة والعقل والتمييز ، وفي القاموس حتى يبلغ أشده ويضم أوله أي قوته وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين واحد جاء على بناء الجمع كأنك ولا نظير لهما أو جمع لا واحد له من لفظه أو واحده شدة بالكسر مع أن فعلة لا تجمع على أفعل أي قياسا فلا يرد نعمة وأنعم أو شد ككلب وأكلب أو شد كذئب وأذؤب وما هما بمسموعين بل قياس و (لِتَبْلُغُوا) ، قال العلامة أبو السعود : علة لنخرجكم معطوف على علة أخرى مناسبة لها كأنه قيل ثم نخرجكم لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا إلخ ، وقيل علة المحذوف والتقدير ثم نمهلكم لتبلغوا إلخ.
وجوز العلامة الطيبي أن يكون التقدير (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) كان ذلك الإقرار والإخراج ؛ وقيل إنه عطف على نبين ، وتعقبه العلامة بأنه مخل بجزالة النظم الكريم وجعله كغيره عطفا عليه على قراءة نقر. ونخرج بالنصب وهي قراءة المفضل وأبي حاتم إلا أن الأول قرأ بالنون والثاني قرأ بالياء ، وكذا جعل الفعلين عطفا عليه وقال : المعنى خلقناكم على التدريج المذكور لأمرين ، أحدهما أن نبين شئوننا ، والثاني أن نقركم في الأرحام ثم نخرجكم صغارا ثم لتبلغوا أشدكم ، وتقديم التبيين على ما بعده مع أن حصوله بالفعل بعد الكل للإيذان بأنه غاية الغايات ومقصود بالذات ، وإعادة اللام في (لِتَبْلُغُوا) مع تجريد نقر «ونخرج» عنها للإشعار بأصالة البلوغ بالنسبة إلى الإقرار والإخراج إذ عليه يدور التكليف المؤدي إلى السعادة والشقاوة ، وإيثار البلوغ مسندا إلى المخاطبين على التبليغ مسندا إليه تعالى كالأفعال السابقة لأنه المناسب لبيان حال اتصافهم بالكمال واستقلالهم بمبدئية الآثار والأفعال ا ه.
وما ذكره من عطف وو نقر و (نخرج) بالنصب على (نبين) لم يرتضه الشيخ ابن الحاجب ، قال في شرح المفصل : إنه مما يتعذر فيه النصب إذ لو نصب عطفا على (نبين) ضعف المعنى إذا اللام في لنبين للتعليل لما تقدم والمقدم سبب للتبيين فلو عطف (وَنُقِرُّ) عليه لكان داخلا في مسببية (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ) إلخ وخلقهم من تراب ثم ما تلاه لا يصلح سببا للإقرار في الأرحام ، وقال الزجاج : لا يجوز في (وَنُقِرُّ) إلا الرفع ولا يجوز أن يكون معناه فعلنا ذلك لنقر في الأرحام لأن الله تعالى لم يخلق الأنام ليقرهم في الأرحام وإنما خلقهم ليدلهم على رشدهم وصلاحهم وهو قول بعدم جواز عطفه على نبين.
وأجيب بأن الغرض في الحقيقة هو بلوغ الأشد والصلوح للتكليف لكن لما كان الإقرار وما تلاه من مقدماته صح إدخاله في التعليل ، وما ذكره من أن العطف على نبين على قراءة الرفع مخل بجزالة النظم الكريم فالظاهر أنه تعريض بالزمخشري حيث جعل العطف على ذلك وقال فإن قلت : كيف يصح عطف (لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) على (لِنُبَيِّنَ) ولا طباق قلت الطباق حاصل لأن قوله تعالى : (وَنُقِرُّ) قرين للتعليل ومقارنته له والتباسه به ينزلانه منزلة نفسه فهو راجع من هذه الجهة إلى متانة القراءة بالنصب ا ه. وفيه ما يومئ إلى أن قراءة النصب أوضح كما أنها أمتن ،