ومن يمن سبع بتقديم سينه |
|
وقد كملت فاشكر لربك إحسانه |
وأما المسجد الحرام فيطلق على الحرم كله عند عطاء فيكون حده ما ذكره. وفي البحر العميق عن أبي هريرة قال : إنا لنجد في كتاب الله تعالى أن حد المسجد الحرام إلى آخر المسعى ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : أساس المسجد الحرام الذي وضعه إبراهيم عليهالسلام من الحزوة إلى مخرج مسيل جياد ، وقد ذكروا أن طول المسجد اليوم أربعمائة ذراع وأربعة أذرع وعرضه ثلاثمائة ذراع. وحكي أنه لم يكن كذلك على عهد رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ولم يكن له جدار يحيط به فلما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وسع المسجد واشترى دورا فهدمها وأدخلها فيه ثم أحاط عليه جدارا قصيرا دون القامة وكانت المصابيح توضع عليه ، ثم لما استخلف عثمان اشترى دورا أيضا ووسع بها وبنى المسجد والأروقة ، ثم إن عبد الله بن الزبير زاد سنة بضع وستين في المسجد زيادة كثيرة في خلافته ، ومن ذلك بعض دار الأزرقي اشتراه بسبعة آلاف دينار ، ثم عمره بعد ذلك عبد الملك بن مروان ولم يزد فيه لكن رفع جدار المسجد وحمل إليه أعمدة الحجارة والرخام ، ثم إن المنصور زاد في شقه الشامي وبناه وجعل فيه أعمدة من الرخام ، ثم زاد المهدي بعده مرتين وكانت الكعبة في جانب المسجد فأحب أن تكون في الوسط فاشترى دورا وزاد في المسجد ووسطها كذا ذكره النووي.
وفي البحر العميق أن زيادة المهدي هي التي تلي دار الندوة خلف مقام الحنفي ، ثم لما انتهت الدولة إلى سلاطين آل عثمان أبقى الله تعالى دولتهم ما دام الدوران لم يألوا جهدا في خدمته والسعي في مرمته.
(وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) أي اذكر لهؤلاء الكفرة الذين يصدون عن سبيل الله تعالى والمسجد الحرام وقت جعلنا مكان البيت مباءة لجدهم إبراهيم عليهالسلام أي مرجعا يرجع إليه للعمارة والعبادة ويقال بوأه منزلا إذا أنزله فيه ولما لزمه جعل الثاني مباءة للأول جيء باللام فهي للتعدية ، و (مَكانَ) مفعول به.
وقال الزجاج : المعنى بيتا له مكان البيت ليبنيه ويكون مباءة له ولعقبه يرجعون إليه ويحجونه ، والأول مروي عن ابن عباس ، وقيل : اللام زائدة في المفعول به و (مَكانَ) ظرف لبوأنا. واعترض بأن اللام إنما تزاد إذا قدم المعمول أو كان العامل فرعا وشيء منهما متحقق هاهنا وأن (مَكانَ الْبَيْتِ) ظرف معين فحقه أن يتعدى الفعل إليه بفي ، وفيه نظر كما يعلم من كتب العربية ، وقيل : مفعول (بَوَّأْنا) محذوف أي بوأنا الناس واللام في (لِإِبْراهِيمَ) لام العلة أي لأجل إبراهيم أي كرامة له ؛ والمعول عليه ما قدمنا ، وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت مع أن المراد تذكير ما وقع فيه من الحوادث قد مر غير مرة ، والمكان المتعارف ما يستقر عليه الشيء ويمنعه من النزول والعلماء فيه مذاهب وليس هذا مكان تحقيقها ، وأصل البيت مأوى الإنسان بالليل ثم قد يقال من غير اعتبار الليل فيه وجمعه أبيات وبيوت لكن البيوت بالمسكن أخص والأبيات بالشعر أخص ، ويقع ذلك على المتخذ من حجر ومن مدر ومن صوف ووبر ، ويعبر عن مكان الشيء ببيته ، والمراد بالبيت بيت الله عزوجل الكعبة المكرمة ، وقد بنيت خمس مرات ، إحداها بناء الملائكة عليهمالسلام قبل آدم وكانت من ياقوتة حمراء ثم رفع ذلك البناء إلى السماء أيام الطوفان ، والثانية بناء إبراهيم عليهالسلام. روي أنه تعالى لما أمره ببناء البيت لم يدر أين يبني فأرسل الله تعالى له الريح الخجوج فكشفت عن أسه القديم فبنى عليه ، والثالثة بناء قريش في الجاهلية ، وقد حضره النبي صلىاللهعليهوسلم وكان شابا فلما أرادوا أن يرفعوا الحجر الأسود اختصموا فيه فأراد كل قبيلة أن يتولى رفعه ثم توافقوا على أن يحكم بينهم أول رجل يخرج من هذه السكة فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أول من خرج فقضى بينهم أن يجعلوه في مرط ثم يرفعه جميع القبائل فرفعوه ثم ارتقى صلىاللهعليهوسلم فرفعوه إليه فوضعه مكانه وكانوا يدعونه عليهالسلام الأمين وكان ذلك قبل المبعث فيما قيل بخمس عشرة سنة ، والرابعة بناء عبد