قيل سكر الأعداء من رؤية القهريات. وسكر الموافقين من رؤية بدائع الأفعال. وسكر المريدين من لمعان الأنوار. وسكر المحبين من كشوف الأسرار. وسكر المشتاقين من ظهور سني الصفات. وسكر العاشقين من مكاشفة الذات. وسكر المقربين من الهيبة والجلال. وسكر العارفين من الدخول في حجال الوصال. وسكر الموحدين من استغراقهم في بحار الأولية. وسكر الأنبياء والمرسلين عليهمالسلام من اطلاعهم على أسرار الأزلية :
ألم بنا ساق يجل عن الوصف |
|
وفي طرفه خمر وخمر على الكف |
فأسكر أصحابي بخمرة كفه |
|
وأسكرني والله من خمرة الطرف |
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) الآية يدخل فيه من يعبد الله تعالى طمعا في الكرامات ومحمدة الخلق ونيل دنياهم فإن رأى شيئا من ذلك سكن إلى العبادة وإن لم ير تركها وتهاون فيها (خَسِرَ الدُّنْيا) بفقدان الجاه والقبول والافتضاح عند الخلق (وَالْآخِرَةَ) ببقائه في الحجاب عن مشاهدة الحق واحتراقه بنار البعد (مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ) الآية فيه إشارة إلى حسن مقام التسليم والرضى بما فعل الحكيم جل جلاله (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) فيه من تعظيم أمر الكعبة ما فيه ، وقد جعلها الله تعالى مثالا لعرشه وجعل الطائفين بها من البشر كالملائكة الحافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم إلا أن تسبيح البشر وثناءهم عليه عزوجل بكلمات إلهية قرآنية فيكونون من حيث تسبيحهم وثنائهم بتلك الكلمات من حيث إنها كلماته تعالى نوابا عنه عزوجل ذلك في ويكون أهل القرآن وهم كما في الحديث أهل الله تعالى وخاصته ، وللكعبة أيضا امتياز على العرش وسائر البيوت الأربعة عشر لأمر ما نقل إلينا أنه في العرش ولا في غيره من تلك البيوت وهو الحجر الأسود الذي جاء في الخبر أنه يمين الله عزوجل ثم إنه تعالى جعل لبيته أربعة أركان لسر إلهي وهي في الحقيقة ثلاثة لأنه شكل مكعب الركن الذي يلي الحجر كالحجر في الصورة مكعب الشكل ولذلك سمي الكعبة تشبيها بالكعب ، ولما جعل الله تعالى له بيتا في العالم الكبير جعل نظيره في العالم الصغير وهو قلب المؤمن ، وقد ذكروا أنه أشرف من هذا البيت «وما وسعني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن» وجعل الخواطر التي تمر عليه كالطائفين وفيها مثلهم المحمود والمذموم ، وجعل محل الخواطر فيه كالأركان التي للبيت فمحل الخاطر الإلهي كركن الحجر ومحل الخاطر الملكي كالركن اليماني ومحل الخاطر النفسي كالمكعب الذي في الحجر لا غير وليس للخاطر الشيطاني فيه محل ، وعلى هذا قلوب الأنبياء عليهمالسلام ، وقد يقال : محل الخاطر النفسي كالركن الشامي ومحل الخاطر الشيطاني كالركن العراقي ، وإنما جعل ذلك للركن العراقي لأن الشارع شرع أن يقال عنده : أعوذ بالله تعالى من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق ، وعلى هذا قلوب المؤمنين ما عدا الأنبياء عليهمالسلام ، وأودع سبحانه فيه كنزا أراد صلىاللهعليهوسلم أن يخرجه فلم يفعل لمصلحة رآها ، وكذا أراد عمر فامتنع اقتداء برسول الله صلىاللهعليهوسلم. وكذلك أودع جل وعلا في قلب الكامل كنز العلم به عزوجل.
وارتفاع البيت على ما مر سبعة وعشرون ذراعا وربع ذراع. وقال بعضهم : ثمانية وعشرون ذراعا ، وعليه يكون ذلك نظير منازل القلب التي تقطعها كواكب الإيمان السيارة لإظهار حوادث تجري في النفس كما تقطع السيارة منازلها في الفلك لإظهار الحوادث في العالم العنصري إلى غير ذلك مما لا يعرفه إلا أهل الكشف.
(لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) أي إلى ما يليه فإن النحر بمنى وجعلت محلا للقرابين على ما ذكر الشيخ الأكبر محيي الدين قدسسره لأنها من بلوغ الأمنية ومن بلغ المنى المشروع فقد