ولو كان معوجا ، وفيه أن التعليل بمضمون الصلة لا يساعد إلا على إرادة الصراط المستقيم ، وأظن أنه قد نكب عن الصراط من زعم أن المراد هنا الصراط الممدود على متن جهنم وهو طريق الجنة أي أنهم يوم القيامة عن طريق الجنة لمائلون يمنة ويسرة إلى النار.
(وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ) أي من سوء حال ، قيل : هو ما عراهم بسبب أخذ مترفيهم بالعذاب يوم بدر أعني الجزع عليهم وذلك بإحيائهم وإعادتهم إلى الدنيا بعد القتل أي ولو رحمناهم وكشفنا ضرهم بإرجاع مترفيهم إليهم (لَلَجُّوا) لتمادوا (فِي طُغْيانِهِمْ) إفراطهم في الكفر والاستكبار وعداوة الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين (يَعْمَهُونَ) عامهين مترددين في الضلال يقال عمه كمنع وفرح عمها وعموها وعموهة وعمهانا ، وقيل : هو ما هم فيه من شدة الخوف من القتل والسبي ومزيد الاضطراب من ذلك لما رأوا ما حل بمترفيهم يوم بدر وكشفه بأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بالكف عن قتالهم وسبيهم بعد أو بنحو ذلك وهو وجه ليس بالبعيد وقيل : المراد بالضر عذاب الآخرة أي إنهم في الرداءة والتمرد إلى أنهم لو رحموا وكشف عنهم عذاب النار وردوا إلى الدنيا لعادوا لشدة لجاجهم فيما هم عليه وفيه من البعد ما فيه.
واستظهر أبو حيان أن المراد به القحط والجوع الذي أصابهم بدعاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذكر أنه مروي عن ابن عباس وابن جريج ، وقد دعا عليهم صلىاللهعليهوسلم بذلك في مكة يوم ألقى عليه المشركون وهو قائم يصلي عند البيت صلى جزور فقال : اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف ودعا بذلك أيضا بالمدينة ، فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام مكث شهرا إذا رفع رأسه من الركعة الثانية من صلاة الفجر بعد قوله سمع الله لمن حمده يقول : اللهم انج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين بمكة اللهم اشدد وطأتك إلخ ، وربما فعل ذلك بعد رفعه من الركعة الأخيرة من صلاة العشاء ، وكلتا الروايتين ذكرهما برهان الدين الحلبي في سيرته ، والكثير على أنه الجوع الذي أصابهم من منع ثمامة الميرة عنهم ، وذلك أن ثمامة بن أثال الحنفي جاءت به إلى المدينة سرية محمد بن مسلمة حين بعثها صلىاللهعليهوسلم إلى بني بكر بن كلاب فأسلم بعد أن امتنع من الإسلام ثلاثة أيام ثم خرج معتمرا فلما قدم مكة لبى وهو أول من دخلها ملبيا ومن هنا قال الحنفي :
ومنا الذي لبى بمكة معلنا |
|
برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم |
فأخذته قريش فقالوا : لقد اجترأت علينا وقد صبوت يا ثمامة قال : أسلمت واتبعت خير دين دين محمد صلىاللهعليهوسلم والله لا يصل إليكم حبة من اليمامة وكانت ريفا لأهل مكة حتى يأذن فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم خرج ثمامة إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا حتى أضر بهم الجوع وأكلت قريش العلهز. فكتبت قريش إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع إنك تأمر بصلة الرحم وأنت قد قطعت أرحامنا فكتب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى ثمامة رضي الله تعالى عنه خل بين قومي وبين ميرتهم ففعل ، وفي رواية أن أبا سفيان جاءه صلىاللهعليهوسلم فقال : ألست إلخ ، ووجه الجمع ظاهر وكان هذا قبل الفتح بقليل ، وعندي أن (لَوْ) تبعد هذا القول كما لا يخفى ، نعم أخرج ابن جرير وجماعة عن ابن عباس ما هو نص في أن قصة ثمامة سبب لنزول قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) إلى آخره فيكون الجوع مرادا من العذاب المذكور فيه على ذلك ، ولا يرد على من قال به قوله تعالى : (فَمَا اسْتَكانُوا) فما خضعوا بذلك (لِرَبِّهِمْ) لأن له أن يقول : المراد بالخضوع له عزوجل الانقياد لأمره سبحانه والإيمان به جل وعلا وما كان منهم مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليس منه شيء ، والمشهور أن المراد بالعذاب ما نالهم يوم بدر من القتل والأسر ، ولا يرد على من فسر العذاب في قوله سبحانه : (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ)