(سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) قرأ أبو عمرو ويعقوب بغير لام فيه. وفيما بعده ولم يقرأ على ما قيل في السابق بترك اللام والقراءة بغير لام على الظاهر وباللام على المعنى وكلا الأمرين جائزان فلو قيل : من صاحب هذه الدار؟ فقيل : زيد كان جوابا عن لفظ السؤال ، ولو قيل : لزيد لكان جوابا على المعنى لأن معنى من صاحب هذه الدار؟ لمن هذه الدار وكلا الأمرين وارد في كلامهم ، أنشد صاحب المطلع :
إذا قيل من رب المزالف والقرى |
|
ورب الجياد الجرد قلت لخالد |
وأنشد الزجاج :
وقال السائلون لمن حفرتم |
|
فقال المخبرون لهم وزير |
(قُلْ) إفحاما لهم وتوبيخا (أَفَلا تَتَّقُونَ) أي أتعلمون ذلك ولا تتقون أنفسكم عقابه على ترك العمل بموجب العلم حيث تكفرون به تعالى وتنكرون ما أخبر به من البعث وتثبتون له سبحانه شريكا. (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) مما ذكر ومما لم يذكر ؛ وصيغة الملكوت للمبالغة في الملك فالمراد به الملك الشامل الظاهر ، وقيل : المالكية والمدبرية ، وقيل : الخزائن (وَهُوَ يُجِيرُ) أي يمنع من يشاء ممن يشاء (وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) ولا يمنع أحد منه جل وعلا أحدا ، وتعدية الفعل بعلى لتضمنه معنى النصرة أو الاستعلاء (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) تكرير لاستهانتهم وتجهيلهم على ما مر (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) ملكوت كل شيء والوصف بأنه الذي يجير ولا يجار عليه (قُلْ) تهجينا لهم وتقريعا (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) كيف أو من أين تخدعون وتصرفون عن الرشد مع علمكم به إلى ما أنتم عليه من البغي فإن من لا يكون مسحورا مختل العقل لا يكون كذلك ، وهذه الآيات الثلاث أعني (قُلْ لِمَنِ) إلى هنا على ما قرر في الكشف تقرير للسابق وتمهيد للاحق وقد روعي في السؤال فيها قضية الترقي فسئل عمن له الأرض ومن فيها ، وقيل : (مَنْ) تغليبا للعقلاء ولأنه يلزم أن يكون له غيرهم من طريق الأولى ثم سئل عمن له السموات والعرش العظيم والأرض بالنسبة إليه كلا شيء ثم سئل عمن بيده ملكوت كل شيء فأتى بأعم العام وكلمة الإحاطة وأوثر الملكوت وهو الملك الواسع ، وقيل : (بِيَدِهِ) تصويرا وتخييلا وكذلك روعي هذه النكتة في الفواصل فعيروا أولا بعدم التذكر فإن أيسر النظر يكفي في انحلال عقدهم ثم بعدم الاتقاء وفيه وعيد ثم بالتعجب من خدع عقولهم فتخيل الباطل حقا والحق باطلا وأنى لها التذكر والخوف.
(بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِ) إضراب عن قولهم : (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) والمراد بالحق الوعد بالبعث وقيل : ما يعمه والتوحيد ويدل على ذلك السياق وقرئ «بل أتيتهم» بتاء المتكلم وقرأ ابن أبي إسحاق بتاء الخطاب (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في قولهم : (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أو في ذلك قولهم بما ينافي التوحيد (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ) لتنزهه عزوجل عن الاحتياج وتقدسه تعالى عن مماثلة أحد.
(وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ) يشاركه سبحانه في الألوهية (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) أي لاستبد بالذي خلقه واستقل به تصرفا وامتاز ملكه عن ملك الآخر (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) ولوقع التحارب والتغالب بينهم كما هو الجاري فيما بين الملوك والتالي باطل لما يلزم من ذلك نفي ألوهية الجميع أو ألوهية ما عدا واحدا منهم وهو خلاف المفروض أو لما أنه يلزم أن لا يكون بيده تعالى وحده ملكوت كل شيء وهو باطل في نفسه لما برهن عليه في الكلام وعند الخصم لأنه يقول باختصاص ملكوت كل شيء به تعالى كما يدل عليه السؤال والجواب السابقان آنفا كذا قيل ، ولا يخفى أن اللزوم في الشرطية المفهومة من الآية عادي لا عقلي ولذا قيل : إن الآية إشارة إلى دليل إقناعي للتوحيد لا قطعي.