كثير «رأفة» بفتح الهمزة ، وابن جريج «رافة» بألف بعد الهمزة على وزن فعالة وروي ذلك عن عاصم وابن كثير ، ونقل أبو البقاء أنه قرأ «رافة» بقلب الهمزة الفا وهي في كل ذلك مصدر مسموع إلا أن الأشهر في الاستعمال ما وافق قراءة الجمهور.
(إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) من باب التهييج والإلهاب كما يقال : إن كنت رجلا فافعل كذا ولا شك في رجوليته وكذا المخاطبون هنا مقطوع بإيمانهم لكن قصد تهييجهم وتحريك حميتهم ليجدوا في طاعة الله تعالى ويجتهدوا في إجراء أحكامه على وجهها ، وذكر (الْيَوْمِ الْآخِرِ) لتذكير ما فيه من العقاب في مقابلة الرأفة بهما (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي ليحضره زيادة في التنكيل فإن التفضيح قد ينكل أكثر من التعذيب أو لذلك وللعبرة والموعظة ، وعن نصر بن علقمة أن ذلك ليدعى لهما بالتوبة والرحمة لا للتفضيح وهو في غاية البعد من السياق ، والأمر هنا على ما يدل عليه كلام الفقهاء للندب.
واختلف في هذه الطائفة فأخرج عبد بن حميد وغيره عن ابن عباس أنه قال : الطائفة الرجل فما فوقه وبه قال أحمد وقال عطاء وعكرمة وإسحاق بن راهويه : اثنان فصاعدا وهو القول المشهور لمالك وقال قتادة والزهري : ثلاثة فصاعدا ، وقال الحسن : عشرة ، وعن الشافعي وزيد : أربعة وهو قول لمالك قال الخفاجي : وتحقيق المقام أن الطائفة في الأصل اسم فاعل مؤنث من الطواف الدوران أو الإحاطة فهي إما صفة نفس أي نفس طائفة فتطلق على الواحد أو صفة جماعة أي جماعة طائفة فتطلق على ما فوقه فهي كالمشترك بين تلك المعاني فتحمل في كل مقام على ما يناسبه.
وذكر الراغب أنها إذا أريد بها الواحد يصح أن تكون جمعا كني به عن الواحد ، ويصح أن تكون مفردا والتاء فيها كما في رواية ، وفي حواشي العضد للهروي يصح أن يقال للواحد طائفة ويراد نفس طائفة فهي من الطواف بمعنى الدوران.
وفي شرح البخاري حمل الشافعي الطائفة في مواضع من القرآن على أوجه مختلفة بحسب المواضع فهي في قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) [التوبة : ١٢٢] واحد فأكثر واحتج به على قبول خبر الواحد وفي قوله تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ) أربعة وفي قوله سبحانه : (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) [النساء : ١٠٢] ثلاثة ، وفرقوا في هذه المواضع بحسب القرائن ، أما في الأولى فلأن الإنذار يحصل به ، وأما في الثانية فلأن التشنيع فيه أشد ، وأما في الثالثة فلضمير الجمع بعد في قوله تعالى : (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) [النساء : ١٠٢] وأقله ثلاثة ، وكونها مشتقة من الطواف لا ينافيه لأنه يكون بمعنى الدوران أو هو الأصل وقد لا ينظر إليه بعد الغلبة فلذا قيل : إن تاءها للنقل انتهى ولا يخلو عن بحث.
والحق أن المراد بالطائفة هنا جماعة يحصل بهم التشهير ، والزجر وتختلف قلة وكثرة بحسب اختلاف الأماكن والأشخاص فرب شخص يحصل تشهيره وزجره بثلاثة وآخر لا يحصل تشهيره وزجره بعشرة ، وللقائل بالأربعة هنا وجه وجيه كما لا يخفى.
(الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) تقبيح لأمر الزاني أشد تقبيح ببيان أنه بعد أن رضي بالزنا لا يليق به أن ينكح العفيفة المؤمنة فبينهما كما بين سهيل والثريا فترى هذه شامية إذا ما استقلت وترى ذاك إذا ما استقل يمانيا وإنما يليق به أن ينكح زانية هي في ذلك طبقه ليوافق ـ كما قيل ـ شن طبقه أو مشركة هي أسوأ منه حالا وأقبح أفعالا «فلا ينكح» خبر مراد منه لا يليق به أن ينكح كما تقول : السلطان لا يكذب أي لا يليق به أن يكذب نزل فيه عدم لياقة