على أبيها وعليها وسلم ولم أر من تعرض لذلك فتدبر ، واعلم أنه لا خلاف في جواز لعن كافر معين تحقق موته على الكفر إن لم يتضمن إيذاء مسلم أو ذمي إذا قلنا باستوائه مع المسلم في حرمة الإيذاء أما إن تضمن ذلك حرم.
ومن الحرام لعن أبي طالب على القول بموته كافرا بل هو من أعظم ما يتضمن ما فيه إيذاء من يحرم إيذاؤه ، ثم إن لعن من يجوز لعنه لا أرى أنه يعد عبادة إلا إذا تضمن مصلحة شرعية ، وأما لعن كافر معين حي فالمشهور أنه حرام ومقتضى كلام حجة الإسلام الغزالي أنه كفر لما فيه من سؤال تثبيته على الكفر الذي هو سبب اللعنة وسؤال ذلك كفر ؛ ونص الزركشي على ارتضائه حيث قال عقبة : فتفطن لهذه المسألة فإنها غريبة وحكمها متجه وقد زل فيه جماعة ، وقال العلامة ابن حجر في ذلك : ينبغي أن يقال : إن أراد بلعنه الدعاء عليه بتشديد الأمر أو أطلق لم يكفر وإن أراد سؤال بقائه على الكفر أو الرضى ببقائه عليه كفر : ثم قال : فتدبر ذلك حق التدبر فإنه تفصيل متجه قضت به كلماتهم ا ه.
وكلعن الكافر الحي المعين بالشخص في الحرمة لعن الفاسق كذلك ، وقال السراج البلقيني : بجواز لعن العاصي المعين واحتج على ذلك بحديث الصحيحين «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح» وهو ظاهر فيما يدعيه ؛ وقول ولده الجلال البلقيني في بحثه معه : يحتمل أن يكون لعن الملائكة لها ليس بالخصوص بل بالعموم بأن يقولوا : لعن الله من دعاها زوجها إلى فراشه فأبت فبات غضبان بعيد جدا. ومما يؤيد قول السراج خبر مسلم أنه صلىاللهعليهوسلم مرّ بحمار وسم في وجهه فقال : «لعن الله من فعل هذا» وهو أبعد عن الاحتمال الذي ذكره ولده ، وقد صح أنه صلىاللهعليهوسلم لعن قبائل من العرب بأعيانهم فقال : «اللهم العن رعلا وذكوان وعصية عصوا الله تعالى ورسوله» ، وفيه نوع تأييد لذلك أيضا ، لكن قيل : إنه يجوز أن يكون قد علم عليه الصلاة والسلام موتهم أو موت أكثرهم على الكفر فلم يلعن صلىاللهعليهوسلم إلا من علم موته عليه ، ولا يخفى عليك الأحوط في هذا الباب ، فقد صح «من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه» وأرى الدعاء للعاصي المعين بالصلاح أحب من لعنه على القول بجوازه ، وأرى لعن من لعنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالوصف أو بالشخص عبادة من حيث إن فيه اقتداء برسول الله عليه الصلاة والسلام ، وكذا لعن من لعنه الله تعالى على الوجه الذي لعنه سبحانه به ، هذا وقوله عزوجل : (يَوْمَ تَشْهَدُ) إلخ إما متصل بما قبله مسوق لتقرير العذاب العظيم بتعيين وقت حلوله وتهويله ببيان ظهور جناية الرامين المستتبعة لعقوباتها على كيفية هائلة وهيئة خارقة للعادات فيوم ظرف لما في (لَهُمْ) من معنى الاستقرار لا لعذاب كما ذهب إليه الحوفي لما في جواز إعمال المصدر الموصوف من الخلاف ، وقيل : لإخلاله بجزالة المعنى وفيه نظر ، وإما منقطع عنه على أنه ظرف لا ذكر محذوفا أو ليوفيهم الآتي كما قيل بكل ، واختير أنه ظرف لفعل مؤخر وقد ضرب عنه الذكر صفحا للإيذان بأن العبارة لا تكاد تحيط بتفصيل ما يقع فيه من العظائم والكلام مسوق لتهويل اليوم بتهويل ما يحويه كأنه قيل : يوم تشهد عليهم (أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) يظهر من الأحوال والأهوال ما لا يحيط به نطاق المقال على أن الموصول المذكور عبارة عن جمع أعمالهم السيئة وجناياتهم القبيحة لا عن جناياتهم المعهودة فقط.
ومعنى شهادة الجوارح المذكورة بها أنه عزوجل ينطقها بقدرته فتخبر كل جارحة منها بما صدر عنها من أفاعيل صاحبها لا أن كلا منها يخبر بجنايتهم المعهودة فحسب. والموصول المحذوف عبارة عنها وعن فنون العقوبات المترتبة عليها كافة لا عن إحداها خاصة ففيه من ضروب التهويل بالإجمال والتفصيل ما لا مزيد عليه قاله شيخ الإسلام ، ثم قال : وجعل الموصول المذكور عبارة عن جناياتهم المعودة وحمل شهادة الجوارح على إخبار الكل