والطيبات من الكلم للطيبين من الفريقين مختصة وحقيقة بهم وهم أحقاء بأن يقال في شأنهم طيبات الكلم أولئك الطيبون مبرءون عن الاتصاف مما يقول الخبيثون وقيل الآفكون في حقهم فمآله تنزيه الصديقة رضي الله تعالى عنها أيضا.
وقيل : المراد الخبيثات من القول مختصة بالخبيثين من فريقي الرجال والنساء لا تصدر عن غيرهم والخبيثون من الفريقين مختصون بالخبيثات من القول متعرضون لها والطيبات من القول للطيبين من الفريقين أي مختصة بهم لا تصدر عن غيرهم والطيبون من الفريقين مختصون بالطيبات من القول لا يصدر عنهم غيرها أولئك الطيبون مبرءون مما يقول الخبيثون أي لا يصدر عنهم مثل ذلك ، وروي ذلك عن مجاهد ، والكلام عليه على حذف مضاف إلى ما ، ومآله الحط على الآفكين وتنزيه القائلين سبحانك هذا بهتان عظيم (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) عظيمة لما لا يخلو البشر عنه من الذنب ، وحسنات الأبرار سيئات المقربين (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) هو الجنة كما قاله أكثر المفسرين ، ويشهد له قوله تعالى في سورة الأحزاب في أمهات المؤمنين (وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً) [الأحزاب : ٣١] فإن المراد به ثمت الجنة بقرينة (أَعْتَدْنا) والقرآن يفسر بعضه بعضا ، وفي هذه الآيات من الدلالة على فضل الصديقة ما فيها ، ولو قلبت القرآن كله وفتشت عما أوعد به العصاة لم تر الله عزوجل قد غلظ في شيء تغليظه في الإفك وهو دال على فضلها أيضا ، وكانت رضي الله تعالى عنها تتحدث بنعمة الله تعالى عليها بنزول ذلك في شأنها.
فقد أخرج ابن أبي شيبة عنها أنها قالت : خلال فيّ لم تكن في أحد من الناس إلا ما آتى الله تعالى مريم ابنة عمران والله ما أقول هذا اني أفتخر على صواحباتي قيل : وما هن؟ قالت : نزل الملك بصورتي وتزوجني رسول الله صلىاللهعليهوسلم لسبع سنين وأهديت له لتسع سنين وتزوجني بكرا لم يشركه فيّ أحد من الناس وأتاه الوحي وأنا وإياه في لحاف واحد وكنت من أحب الناس إليه ونزل فيّ آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيهن ورأيت جبريل عليهالسلام ولم يره أحد من نسائه غيري وقبض في بيتي لم يله أحد غير الملك وأنا.
وأخرج ابن مردويه عنها أنها قالت : لقد نزل عذري من السماء ولقد خلقت (١) طيبة عند طيب ولقد وعدت مغفرة وأجرا عظيما ، وفي قوله سبحانه : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) بناء على شموله عائشة رضي الله تعالى عنها رد على الرافضة القائلين بكفرها وموتها على ذلك وحاشاها لقصة وقعة الجمل مع أشياء افتروها ونسبوها إليها ، ومما يرد زعم ذلك أيضا قول عمار بن ياسر في خطبته حين بعثه الأمير كرّم الله تعالى وجهه مع الحسن رضي الله تعالى عنه يستنفران أهل المدينة وأهل الكوفة : إني لأعلم أنها زوجة نبيكم عليه الصلاة والسلام في الدنيا والآخرة ولكن الله تعالى ابتلاكم ليعلم أتطيعونه أم تطيعونها ، ومما يقضى منه العجب ما رأيته في بعض كتب الشيعة من أنها خرجت من أمهات المؤمنين بعد تلك الوقعة لأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال للأمير كرم الله تعالى وجهه : قد أذنت لك أن تخرج بعد وفاتي من الزوجية من شئت من أزواجي فأخرجها كرم الله تعالى وجهه من ذلك لما صدر منها معه ما صدر ، ولعمري إنّ هذا مما يكاد يضحك الثكلى ، وفي حسن معاملة الأمير كرم الله تعالى وجهه إياها رضي الله تعالى عنها بعد استيلائه على العسكر الذي صحبها الثابت عند الفريقين ما يكذب ذلك ، ونحن لا نشك في فضلها رضي الله تعالى عنها لهذه الآيات ولما جاء في مدحها عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولو لم يكن من ذلك سوى ما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم إن فضل عائشة على
__________________
(١) بالقاف ويروى بالفاء وتشديد اللام أي تركت عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد وفاته طيبة ا ه منه.