والذي يقتضيه ظاهر الآية عدم الفرق بين الذكر والأنثى لعموم «ما» ولأنه لو كان المراد الإناث خاصة لقيل أو إمائهن فإنه أخصر ونص في المقصود ، وإذا ضم الخبر المذكور إلى ذلك قوي القول بعدم الفرق والتفصي عن ذلك صعب ، وأحسن ما قيل في الجواب عن الخبر أن الغلام فيه كان صبيا إذ الغلام يختص حقيقة به فتأمل ، وخرج بإضافة الملك إليهن عبد الزوج فهو والأجنبي سواء قيل : وجعله بعضهم كالمحرم لقراءة «أو ما ملكت أيمانكم» (أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) أي الذين يتبعون ليصيبوا من فضل الطعام غير أصحاب الحاجة إلى النساء وهم الشيوخ الطاعنون في السن الذين فنيت شهواتهم والممسوحون الذين قطعت ذكورهم وخصاهم ، وفي المجبوب وهو الذي قطع ذكره والخصي وهو من قطع خصاه خلاف واختير أنهما في حرمة النظر كغيرهما من الأجانب وكان معاوية يرى جواز نظر الخصي ولا يعتد برأيه وهو على ما قيل أول من اتخذ الخصيان ، وعن ميسون الكلبية أن معاوية دخل عليها ومعه خصي فتقنعت منه فقال : هو خصي فقالت : يا معاوية أترى أن المثلة به تحلل ما حرم الله تعالى ، وليس له أن يستدل بما روي أن المقوقس أهدى للنبي صلىاللهعليهوسلم خصيا فقبله إذ لا دلالة فيه على جواز إدخاله على النساء.
وأخرج ابن جرير وجماعة عن مجاهد أن غير أولي الإربة الأبله الذي لا يعرف أمر النساء وروي ذلك عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه وعن ابن جبير أنه المعتوه ومثله المجنون كما قال ابن عطية.
وأخرج ابن المنذر وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه المخنث الذي لا يقوم زبه لكن أخرج مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان رجل يدخل على أزواج النبيصلىاللهعليهوسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة فدخل النبي عليه الصلاة والسلام يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة قال : إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : ألا ترى هذا يعرف ما هاهنا لا يدخل عليكن فحجبوه ، وجاء أنه عليه الصلاة والسلام أخرجه فكان بالبيداء يدخل كل جمعة يستطعم ، ولعل الأولى حمل غير أولي الإربة على الذين لا حاجة لهم بالنساء ولا يعرفون شيئا من أمورهن بحيث لا تحدثهم أنفسهم بفاحشة ولا يصفونهن للأجانب ولا أرى الاكتفاء في غير أولي الاربة بعدم الحاجة إلى النساء إذ لا تنتفي به مفسدة الإبداء بالكلية كما لا يخفى.
ولعل في الخبر نوع إيماء إلى هذا ؛ وفي المنهاج وشرحه لابن حجر عليه الرحمة ، والأصح أن نظر الممسوح ذكره كله وأنثياه بشرط أن لا يبقى فيه ميل للنساء أصلا وإسلامه في المسلمة ولو أجنبيا لأجنبية متصفة بالعدالة كالنظر إلى محرم فينظر منها ما عدا ما بين السرة والركبة وتنظر منه ذلك ويلحق بالمحرم أيضا في الخلوة والسفر ويعلم منه أن التمثيل بالممسوح فيما سبق ليس على إطلاقه ، وأما الشيخ الهم والمخنث فهما عند الشافعية في النظر إلى الأجنبيات ليسا كالممسوح ، وصححوا أيضا أن المجنون يجب الاحتجاب منه فلا تغفل ، وجر (غَيْرِ) قيل على البدلية لا الوصفية لاحتياجها إلى تكلف جعل التابعين لعدم تعينهم كالنكرة كما قال الزجاج أو جعل (غَيْرِ) متعرفا بالإضافة هنا مثلها في الفاتحة وفيه نظر وقرأ ابن عامر وأبو بكر (غَيْرِ) بالنصب على الحال والاستثناء.
(أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) أي الأطفال الذين لم يعرفوا ما العورة ولم يميزوا بينها وبين غيرها على أن (لَمْ يَظْهَرُوا) إلخ من قولهم ظهر على الشيء إذا اطلع عليه فجعل كناية عن ذلك أو الذين لم يبلغوا حد الشهوة والقدرة على الجماع على أنه من ظهر على فلان إذا قوي عليه ومنه قوله تعالى : (فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) [الصف : ١٤] ويشمل الطفل الموصوف بالصفة المذكورة بهذا المعنى المراهق الذي لم يظهر منه تشوق للنساء ، وقد ذكر بعض أئمة الشافعية أنه كالبالغ فيلزم الاحتجاب منه على الأصح كالمراهق الذي ظهر منه ذلك ،