سمعنا إلخ أي خصوصية هذا القول المحكي عنهم لا قولا آخر أصلا ، وأما النصب فالمعنى عليه إنما كان قولا للمؤمنين خصوصية قولهم (سَمِعْنا) إلخ ففيه من جعل أخص النسبتين وأبعدهما وقوعا وحضورا في الأذهان وأحقهما بالبيان مفروغا عنها عنوانا للموضوع وإبراز ما هو بخلافها في معرض القصد الأصلي ما لا يخفى انتهى ، وبحث فيه بعضهم بأن مساق الآية يقتضي أن يكون قول المؤمنين سمعنا وأطعنا في مقابلة إعراض المنافقين فحيث ذم ذلك على أتم وجه ناسب أن يمدح هذا ، ولا شك أن الأنسب في مدحه الإخبار عنه لا الإخبار به فينبغي أن يجعل (أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) اسم كان و (قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ) خبرها وفي ذلك مدح لقولهم سمعنا وأطعنا إذ معنى كونه قول المؤمنين أنه قول لائق بهم ومن شأنهم على أن الأهم بالإفادة كون ذلك القول الخاص هو قولهم (إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) أي قولهم المقيد بما ذكر ليظهر أتم ظهور مخالفة حال قولهم سمعنا وأطعنا وحال قول المنافقين آمنا بالله وبالرسول وأطعنا فتدبر فإنه لا يخلو عن دغدغة ، والظاهر أن المراد من (أَطَعْنا) هنا غير المراد منه فيما سبق فكأنهم أرادوا سمعنا كلامكم وأطعنا أمركم بالذهاب إلى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ليحكم بينكم وبيننا ، وقيل المعنى قبلنا قولكم وانقدنا له وأجبنا إلى حكم الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم ، وعن ابن عباس ومقاتل أن المعنى سمعنا قول النبي صلىاللهعليهوسلم وأطعنا أمره ، وقيل المراد من الطاعة الثبوت أو الإخلاص لتغاير ما مر وهو كما ترى.
وقرأ الجحدري وخالد بن الياس «ليحكم» بالبناء للمفعول مجاوبا لدعوا ، وكذلك قرأ أبو جعفر هنا وفيما مر ونائب الفاعل ضمير المصدر أي ليحكم هو أي الحكم ، والمعنى ليفعل الحكم كما في قوله تعالى : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ) [سبأ : ٥٤].
(وَأُولئِكَ) إشارة إلى المؤمنين باعتبار صدور القول المذكور عنهم ، وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبتهم وبعد منزلتهم في الفضل أي وأولئك المنعوتون بما ذكر من النعت الجليل (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي هم الفائزون بكل مطلوب والناجون عن كل محذور.
(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) استئناف جيء به لتقرير مضمون ما قبله من حسن حال المؤمنين وترغيب من عداهم في الانتظام في سلكهم أي ومن يطع الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم كائنا من كان فيما أمر به من الأحكام اللازمة والمتعدية ، وعن ابن عباس أنه قال : ومن يطع الله ورسوله في الفرائض والسنن وهو يحتمل اللف والنشر وعلى ذلك جرى في البحر (وَيَخْشَ اللهَ) على ما مضى من ذنوبه (وَيَتَّقْهِ) فيما يستقبل (فَأُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر من الطاعة والخشية والاتقاء (هُمُ الْفائِزُونَ) بالنعيم المقيم لا من عدهم.
وقرأ أبو جعفر وقالون عن نافع ويعقوب «ويتقه» بكسر القاف وكسر الهاء من غير إشباع. وقرأ أبو عمرو وحمزة في رواية العجلي وخلاد وأبو بكر في رواية حماد ويحيى بكسر القاف وسكون الهاء. وقرأ حفص بسكون القاف وكسر الهاء غير مشبعة والباقون بكسر القاف وكسر الهاء مشبعة بحيث يتولد ياء ، ووجه ذلك أبو علي بأن الأصل في هاء الضمير إذا كان ما قبلها متحركا أن تشبع حركتها كما في يؤته ويؤده ووجه عدم الإشباع أن ما قبل الضمير ساكن تقديرا ولا إشباع بحركته فيما إذا سكن ما قبله كفيه ومنه ، ووجه إسكان الهاء أنها هاء السكت وهي تسكن في كلامهم ، وقيل : هي هاء الضمير لكن أجريت مجرى هاء السكت فسكنت وكثيرا ما يجري الوصل مجرى الوقف ، وقد حكي عن سيبويه أنه سمع من يقول : هذه أمة الله في الوصل والوقف ، ووجه قراءة حفص أنه أعطى «يتقه» حكم