لاستحقاقه القتل بفعله كأنه قاتل نفسه. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والحاكم وصححه وغيرهم عن ابن عباس أنه قال في الآية : هو المسجد إذا دخلته فقل السلام علينا وعلى عباد الله تعالى الصالحين. فحمل البيوت فيها على المساجد والسلام على الأنفس على ظاهره ، وقيل : المراد بيوت المخاطبين وأهلهم ، وذكر أن الرجل إذا دخل على أهله سن له أن يقول : السلام عليكم تحية من عند الله مباركة طيبة فإن لم يجد أحدا فليقل السلام علينا من ربنا وروي هذا عن عطاء ، وقيل السلام على الأنفس على ظاهره والمراد ببيوت بيوت الكفار وذكر أن داخلها وكذا داخل البيوت الخالية يقول ما سمعت آنفا عن ابن عباس وقيل يقول على الكفار يقول : السلام على من اتبع الهدى ، ولا يخفى المناسب للمقام ، والسلام بمعنى السلام من الآفات ؛ وقيل : اسم من أسمائه عزوجل وقد مر الكلام في ذلك على أتم وجه فتذكر.
(تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي ثابتة بأمره تعالى مشروعة من لدنه عزوجل فالجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة لتحية ، وجوز أن يتعلق بتحية فإنها طلب الحياة وهي من عنده عزوجل ، وأصل معناها أن تقول حياك الله تعالى أي أعطاك سبحانه الحياة ثم عمم لكل دعاء ، وانتصابها على المصدرية ليسلموا على طريق قعدت جلوسا فكأنه قيل فسلموا تسليما أو فحيوا تحية (مُبارَكَةً) بورك فيها بالأجر كما روي عن مقاتل ، قال الضحاك : في السلام عشر حسنات ومع الرحمة عشرون ومع البركات ثلاثون (طَيِّبَةً) تطيب بها نفس المستمع ، والظاهر أنه يزيد المسلم ما ذكر في سلامه ، وعن بعض السلف زيادته كما مر آنفا ، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : ما أخذت التشهد إلا من كتاب الله تعالى سمعت الله تعالى يقول : (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً) فالتشهد في الصلاة التحيات المباركات الطيبات لله.
(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) تكرير لمزيد التأكيد ، وفي ذلك تفخيم فخيم للأحكام المختتمة به (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ما في تضاعيفها من الشرائع والأحكام وتعملون بموجبها وتحوزون بذلك سعادة الدارين ، وفي تعليل هذا التبيين بهذه الغاية القصوى بعد تذييل الأولين بما يوجبها من الجزالة ما لا يخفى ، وذكر بعض الأجلة أنه سبحانه بدأ السورة بقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ) [النور : ١] وختمها بقوله عزوجل : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) ثم جعل تبارك وتعالى ختام الختم قوله سبحانه : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) إلخ دلالة على أن ملاك ذلك كله والمنتفع بتلك الآيات جمع من سلم نفسه لصاحب الشريعة صلوات الله تعالى وسلامه عليه كالميت بين يدي الغاسل لا يحجم ولا يقدم دون إشارته صلىاللهعليهوسلم ولهذه الدقيقة أورد هذه الآية شهاب الحق والدين أبو حفص عمر السهروردي قدسسره في باب سير المريد مع الشيخ ونبه بذلك أن كل ما يرسمه من أمور الدين فهو أمر جامع.
وقال شيخ الإسلام : إن هذا استئناف جيء به في أواخر الأحكام السابقة تقريرا لها وتأكيدا لوجوب مراعاتها وتكميلا لها ببيان بعض آخر من جنسها ، وإنما ذكر الإيمان بالله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم صلة للموصول الواقع خبرا للمبتدإ مع تضمنه له قطعا تقريرا لما قبله وتمهيدا لما بعده وإيذانا بأنه حقيق بأن يجعل قرينا للإيمان المذكور منتظما في سلكه فقوله تعالى : (وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ) إلخ معطوف على (آمَنُوا) داخل معه في حيز الصلة وبذلك يصح الحمل ، والحصر باعتبار الكمال أي إنما الكاملون في الإيمان الذين آمنوا بالله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم عن صميم قلوبهم وأطاعوا في جميع الأحكام التي من جملتها ما فصل من قبل من الأحكام المتعلقة بعامة أحوالهم المطردة في الوقوع وأحوالهم الواقعة بحسب الاتفاق كما إذا كانوا معه عليه الصلاة والسلام على أمر مهم يجب اجتماعهم في شأنه كالجمعة والأعياد والحروب وغيرها من الأمور الداعية إلى الاجتماع لغرض من الأغراض ، وعن ابن زيد أن الأمر