حينئذ وقيام الساعة زمنا يسيرا لا يعتد به وقد عد ذلك من المبادئ القريبة ليوم القيامة ، والأولى أن تفسر الأرض بأرض الجنة كما ذهب إليه الأكثرون وهو أوفق بالمقام.
ومن الغرائب قصة تفاؤل السلطان سليم بهذه الآية حين أضمر محاربته للغوري وبشارة ابن كمال له أخذا مما رمزت إليه الآية بملكة مصر في سنة كذا ووقوع الأمر كما بشر وهي قصة شهيرة وذلك من الأمور الاتفاقية ومثله لا يعول عليه (إِنَّ فِي هذا) أي فيما ذكر في هذه السورة الكريمة من الأخبار والمواعظ البالغة والوعد والوعيد والبراهين القاطعة الدالة على التوحيد وصحة النبوة ، وقيل : الإشارة إلى القرآن كله (لَبَلاغاً) أي كفاية أو سبب بلوغ إلى البغية أو نفس البلوغ إليها على سبيل المبالغة (لِقَوْمٍ عابِدِينَ) أي لقوم همهم العبادة دون العادة ، وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنهم الذين يصلون الصلوات الخمس بالجماعة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرأ ذلك فقال : هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة ، وضمير «هي» للعبادة المفهومة من «عابدين» وقال أبو هريرة. ومحمد بن كعب ومجاهد : هي الصلوات الخمس ولم يقيدوا بشيء ، وعن كعب الأحبار تفسيرها بصيام شهر رمضان وصلاة الخمس والظاهر العموم وأن ما ذكر من باب الاقتصار على بعض الأفراد لنكتة (وَما أَرْسَلْناكَ) بما ذكر وبأمثاله من الشرائع والأحكام وغير ذلك مما هو مناط لسعادة الدارين (إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) استثناء من أعم العلل أي وما أرسلناك بما ذكر لعلة من العلل إلا لترحم العالمين بإرسالك. أو من أعم الأحوال أي وما أرسلناك في حال من الأحوال إلا حال كونك رحمة أو ذا رحمة أو راحما لهم ببيان ما أرسلت به ، والظاهر أن المراد بالعالمين ما يشمل الكفار ، ووجه ذلك عليه أنه عليه الصلاة والسلام أرسل بما هو سبب لسعادة الدارين ، ومصلحة النشأتين إلا أن الكافر فوت على نفسه الانتفاع بذلك وأعرض لفساد استعداده عما هنالك ، فلا يضر ذلك في كونه صلى الله تعالى عليه وسلّم أرسل رحمة بالنسبة إليه أيضا كما لا يضر في كون العين العذبة مثلا نافعة عدم انتفاع الكسلان بها لكسله وهذا ظاهر خلافا لمن ناقش فيه ، وهل يراد بالعالمين ما يشمل الملائكة عليهمالسلام أيضا فيه خلاف مبني على الخلاف في عموم بعثة صلىاللهعليهوسلم لهم ، فإذا قلنا بالعموم كما رجحه من الشافعية البارزي. وتقي الدين السبكي والجلال المحلي في خصائصه ، ومن الحنابلة ابن تيمية وابن حامد وابن مفلح في كتاب الفروع ، ومن المالكية عبد الحق قلنا بشمول العالمين لهم هنا. وكونه صلىاللهعليهوسلم أرسل رحمة بالنسبة إليهم لأنه جاء عليه الصلاة والسلام أيضا بما فيه تكليفهم من الأوامر والنواهي وإن لم نعلم ما هنا ، ولا شك أن في امتثال المكلف ما كلف به نفعا له وسعادة ، وإن قلنا بعدم العموم كما جزم به الحليمي والبيهقي والجلال المحلي في شرح جمع الجوامع وزين الدين العراقي في نكتة على ابن الصلاح من الشافعية ومحمود بن حمزة في كتابه العجائب والغرائب من الحنفية بل نقل البرهان النسفي والفخر الرازي في تفسيريهما الإجماع عليه وإن لم يسلم قلنا بعدم شموله لهم هنا وإرادة من عداهم منه ، وقيل : هم داخلون هنا في العموم وإن لم نقل ببعثته صلىاللهعليهوسلم إليهم لأنهم وقفوا بواسطة إرساله عليه الصلاة والسلام على علوم جمة وأسرار عظيمة مما أودع في كتابه الذي فيه بناء ما كان وما يكون عبارة وإشارة وأي سعادة أعظم من التحلي بزينة العلم؟ وكونهم عليهمالسلام لا يجهلون شيئا مما لم يذهب إليه أحد من المسلمين ، وقيل : لأنهم أظهر من فضلهم على لسانه الشريف ما أظهر.
وقال بعضهم : إن الرحمة في حق الكفار أمنهم ببعثته صلىاللهعليهوسلم من الخسف والمسخ والقذف والاستئصال ، وأخرج ذلك الطبراني والبيهقي وجماعة عن ابن عباس ، وذكر أنها في حق الملائكة عليهمالسلام الأمن من نحو ما ابتلي به هاروت وماروت ، وأيد بما ذكره صاحب الشفاء أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لجبريل عليهالسلام : هل أصابك من هذه الرحمة