روي أنهم اقترحوا عليه ناقة عشراء تخرج من صخرة عينوها ثم تلد سقبا فقعد عليهالسلام يتذكر فقال له : جبريل عليهالسلام صل ركعتين وسل ربك ففعل فخرجت الناقة وبركت بين أيديهم ونتجت سقبا مثلها في العظم فعند ذلك قال لهم : هذه ناقة (لَها شِرْبٌ) أي نصيب مشروب من الماء كالسقي وألقيت للنصيب من السقي والقوت وكان هذا الشرب من عين عندهم.
وفي مجمع البيان عن علي كرّم الله تعالى وجهه أن تلك العين أول عين نبعت في الأرض وقد فجرها الله عزوجل لصالح عليهالسلام (وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) فاقتنعوا بشربكم ولا تزاحموها على شربها.
وقرأ ابن أبي عبلة «شرب» بضم الشين فيهما ، واستدل بالآية على جواز قسمة ماء نحو الآبار على هذا الوجه (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) كضرب وعقر (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ) وصف اليوم بالعظم لعظم ما يحل فيه وهو أبلغ من عظم العذاب وهذا من المجاز في النسبة ، وجعل (عَظِيمٍ) صفة (عَذابُ) والجر للمجاورة نحو هذا جحر ضب خرب ليس بشيء (فَعَقَرُوها) نسب العقر إليهم كلهم مع أن عاقرها واحد منهم وهو قدار بن سالف وكان نساجا على ما ذكره غير واحد ، وجاء في رواية أن مسطعا ألجأها إلى مضيق في شعب فرماها بسهم فأصاب رجلها فسقطت ثم ضربها قدار لما روي أن عاقرها قال : لا أعقرها حتى ترضوا أجمعين فكانوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقول : أترضين؟ فتقول : نعم وكذلك الصبيان فرضوا جميعا ، وقيل: لأن العقر كان بأمرهم ومعاونتهم جميعا كما يفصح عنه قوله تعالى : (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ) [القمر : ٢٩] وفيه بحث (فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) خوفا من حلول العذاب كما قال جمع ، وتعقب بأنه مردود بقوله تعالى : (وَقالُوا) أي بعد ما عقروها : (يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) ، وأجيب بأن قوله بعد ما عقروها في حيز المنع إذ الواو لا تدل على الترتيب فيجوز أن يريدوا بما تعدنا من المعجزة أو الواو حالية أي والحال أنهم طلبوها من صالح ووعدوه الإيمان بها عند ظهورها مع أنه يجوز ندم بعض وقول بعض آخر ذلك بإسناد ما صدر من البعض إلى الكل لعدم نهيهم عنه أو نحو ذلك أو ندموا كلهم أولا خوفا ثم قست قلوبهم وزال خوفهم أو على العكس ، وجوز أن يقال : إنهم ندموا على عقرها ندم توبة لكنه كان عند معاينة العذاب وعند ذلك لا ينفع الندم ، وقيل : لم ينفعهم ذلك لأنهم لم يتلافوا ما فعلوا بالإيمان المطلوب منهم.
وقيل : ندموا على ترك سقبها ولا يخفى بعده ، ومثله ما قيل : إنهم ندموا على عقرها لما فاتهم به من لبنها ، فقد روي أنه إذا كان يوما أصدرتهم لبنا ما شاءوا (فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) الموعود وكان صيحة خمدت لها أبدانهم وانشقت قلوبهم وماتوا عن آخرهم وصب عليهم حجارة خلال ذلك.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ* كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ) وكانوا من أصهاره عليهالسلام (أَلا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ* وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ* أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ) إنكار وتوبيخ والإتيان كناية عن الوطء. و (الذُّكْرانَ) جمع ذكر مقابل الأنثى ، والظاهر أن (مِنَ الْعالَمِينَ) متصل به أي أتأتون الذكران من أولاد بني آدم على فرط كثرتهم وتفاوت أجناسهم وغلبة إناثهم على ذكرانهم كأن الإناث قد أعوزتكم فالمراد بالعالمين الناس لأن المأتي الذكور منهم خاصة والقرينة إيقاع الفعل والجمع بالواو والنون من غير نظر إلى تغليب. وأما خروج الملك والجن فمن الضرورة العقلية. ويجوز أن يكون متصلا بتأتون أي أتأتون من بين من عداكم من العالمين الذكران لا يشارككم فيه غيركم فالمراد بالعالمين كل من يتأتى منه الإتيان. والعالم على هذا ما يعلم به الخالق سبحانه