لأنه يحيي به الخلق في باب الدين أو لأنه روح كله لا كالناس الذين في أبدانهم روح ، ووصف عليهالسلام بالأمين لأنه أمين وحيه تعالى وموصوله إلى من شاء من عباده جل شأنه من غير تغيير وتحريف أصلا. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وابن عامر نزل به الروح الأمين بتشديد الزاي ونصب الروح و (الْأَمِينُ) أي جعل الله تعالى الروح الأمين نازلا به (عَلى قَلْبِكَ) متعلق بنزل لا بالأمين. والمراد بالقلب إما الروح وهو أحد إطلاقاته كما قال الراغب : وكون الإنزال عليه على ما قال غير واحد لأنه المدرك والمكلف دون الجسد. وقد يقال : لما كان له صلىاللهعليهوسلم جهتان جهة ملكية يستفيض بها وجهة بشرية يفيض بها جعل الإنزال على روحه صلىاللهعليهوسلم لأنها المتصفة بالصفات الملكية التي يستفيض بها من الروح الأمين.
وللإشارة إلى ذلك قيل (عَلى قَلْبِكَ) دون عليك الأخصر. وقيل : إن هذا لأن القرآن لم ينزل في الصحف كغيره من الكتب ، وأما العضو المخصوص وهو الإطلاق المشهور. وتخصيصه بالإنزال عليه قيل للإشارة إلى كمال تعقله صلىاللهعليهوسلم وفهمه ذلك المنزل حيث لم تعتبر واسطة في وصوله إلى القلب الذي هو محل العقل كما يقتضيه ظاهر كثير من الآيات والأحاديث ويشهد له العقل على ما لا يخفى على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وقد أطال في الانتصار لذلك الإمام في تفسيره.
ورد على من ذهب إلى أن الدماغ محل العقل ، وقيل : للإشارة إلى صلاح قلبه عليه الصلاة والسلام وتقدسه حيث كان منزلا لكلامه تعالى ليعلم منه حال سائر أجزائه صلىاللهعليهوسلم فإن القلب رئيس جميع الأعضاء وملكها ومتى صلح الملك صلحت الرعية وفي الحديث : «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» ، وقد يقال : يجوز أن يكون التخصيص لأن الله تعالى جعل لقلب رسوله صلىاللهعليهوسلم سمعا مخصوصا يسمع به ما ينزل عليه من القرآن تمييزا لشأنه على سائر ما يسمعه ويعيه على حد ما قيل وذكره النووي في شرح صحيح مسلم في قوله تعالى : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) [النجم : ١١] من أن الله عزوجل جعل لفؤاده عليه الصلاة والسلام بصرا فرآه به سبحانه ليلة المعراج. وهذا كله على القول بأن جبرائيل عليهالسلام ينزل بالألفاظ القرآنية المحفوظة له بعد أن نزل القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة أو التي يحفظها من اللوح عند الأمر بالإنزال أو التي يوحى بها إليه أو التي يسمعها منه سبحانه على ما قاله بعض أجلة السلف عنده فيلقيها إلى النبي صلىاللهعليهوسلم على ما هي عليه من غير تغيير أصلا. وكذا على القول بأن جبرائيل عليهالسلام ألقى عليه المعاني القرآنية وأنه عبر عنها بهذه الألفاظ العربية ثم نزل بها كذلك فألقاها إلى النبي صلىاللهعليهوسلم. وأما على القول بأنه عليهالسلام إنما نزل بالمعاني خاصة إلى النبي عليه الصلاة والسلام وأنه عليه الصلاة والسلام علم تلك المعاني وعبر عنها بلغة العرب فقيل : إن القلب بمعنى العضو المخصوص لا غير وتخصيصه لأن المعاني إنما تدرك بالقوة المودعة فيه ، وقيل : يجوز أن يراد به الروح وروحه عليه الصلاة والسلام لغاية تقدسها وكمالها في نفسها تدرك المعاني من غير توسط آلة. ومن الناس من ذهب إلى هذا القول وجعل الآية دليلا له وهو قول مرجوح. ومثله القول بأن جبرائيلعليهالسلام ألقى عليه المعاني فعبر عنها بألفاظ فنزل بما عبر هو به. والقول الراجح أن الألفاظ منه عزوجل كالمعاني لا مدخل لجبرائيل عليهالسلام فيها أصلا. وكان النبي صلىاللهعليهوسلم يسمعها ويعيها بقوى إلهية قدسية لا كسماع البشر إياها منه عليه الصلاة والسلام وتنفعل عند ذلك قواه البشرية ، ولهذا يظهر على جسده الشريف صلىاللهعليهوسلم ما يظهر ويقال لذلك : برجاء الوحي حتى يظن في بعض الأحايين أنه أغمي عليه عليه الصلاة والسلام. وقد يظن أنهصلىاللهعليهوسلم أغفي.
وعلى هذا يخرج ما رواه مسلم عن أنس قال : «بينا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم بين أظهرنا إذ أغفى