صبرا فقالوا : لك جمل أحمر لا يدرك فلو كانت الهزيمة طرت عليه فخرج معهم فلما هزم الله تعالى المشركين رحل به جمله في جدد من الأرض فأخذ أسيرا في سبعين من قريش وقدم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأمر عليا كرّم الله تعالى وجهه.
وفي رواية ثابت بن أبي الأفلح بأن يضرب عنقه فقال أتقتلني من بين هؤلاء؟ قال : نعم قال : بم؟ قال : بكفرك وفجورك وعتوك على الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام ، وفي رواية أنه صلىاللهعليهوسلم صرح له بما فعل معه ثم ضربت عنقه. وأما أبي بن خلف فمع فعله ذلك قال : والله لأقتلن محمدا صلىاللهعليهوسلم فبلغ ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال : بل أقتله إن شاء الله تعالى فأفزعه ذلك وقال لمن أخبره : أنشدك بالله تعالى أسمعته يقول ذلك؟ قال نعم فوقعت في نفسه لما علموا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما قال قولا إلا كان حقا فلما كان يوم أحد خرج مع المشركين فجعل يلتمس غفلة النبي عليه الصلاة والسلام ليحمل عليه فيحول رجل من المسلمين بين النبي عليه الصلاة والسلام وبينه فلما رأى ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لأصحابه : خلوا عنه فأخذ الحربة فرماه بها فوقعت في ترقوته فلم يخرج منه دم كثير واحتقن الدم في جوفه فخر يخور كما يخور الثور فأتى أصحابه حتى احتملوه وهو يخور فقالوا : ما هذا فو الله ما بك إلا خدش فقال : والله لو لم يصبني إلا بريقه لقتلني أليس قد قال : أنا أقتله ، والله لو أن الذي بي بأهل ذي المجاز لقتلهم فما لبث إلا يوما أو نحو ذلك حتى ذهب إلى النار فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وروي هذا القول عن ابن عباس وجماعة ، وفي رواية أخرى عن ابن عباس أن الظالم أبي بن خلف وفلان عقبة ، وعض اليدين إما على ظاهره ، وروي ذلك عن الضحاك. وجماعة قالوا : يأكل يديه إلى المرفق ثم تنبت ولا يزال كذلك كلما أكلها نبتت وإما كناية عن فرط الحسرة والندامة ، وكذا عض الأنامل والسقوط في اليد وحرق الأسنان والأدم ونحوها لأنها لازمة لذلك في العادة والعرف ، وفي المثل يأكل يديه ندما ويسيل دمعه دما ، وقال الشاعر :
أبى الضيم والنعمان يحرق نابه |
|
عليه فأفضى والسيوف معاقله |
والفعل عض على وزن فعل مكسور العين ، وحكى الكسائي عضضت بفتح العين.
(يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) الجملة مع موضع الحال من الظالم أو جملة مستأنفة أو مبينة لما قبلها و (يا لَيْتَنِي) إلخ مقول القول ، ويا إما لمجرد التنبيه من غير قصد إلى تعيين المنبه أو المنادى محذوف يا قومي ليتني ، وأل في (الرَّسُولِ) إما للجنس فيعم كل رسول وإما للعهد فالمراد به رسول هذه الأمة محمد صلىاللهعليهوسلم والأول إذا كانت أل في الظالم للجنس والثاني إذا كانت للعهد ، وتنكير (سَبِيلاً) إما للشيوع أو للوحدة وعدم تعريفه لادعاء تعينه أي يا ليتني اتخذت طريقا إلى النجاة أي طريق كان أو طريقا واحدا وهو طريق الحق ولم تتشعب بي طرق الضلالة.
(يا وَيْلَتى) بقلب ياء المتكلم ألفا كما في صحارى ، وقرأ الحسن وابن قطيب يا ويلتي بكسر التاء والياء على الأصل ، وقرأت فرقة بالإمالة ، قال أبو علي : وترك الإمالة أحسن لأن الأصل في هذه اللفظة الياء فأبدلت الكسرة فتحة والياء ألفا فرارا من الياء فمن أمال رجع إلى الذي عنه فر أولا ، وأيا ما كان فالمعنى يا هلكتي تعالي واحضري فهذا أوانك (لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) أراد بفلان الشيطان أو من أضله في الدنيا كائنا من كان أو أبيا إن كان الظالم عقبة أو عقبة إن كان الظالم أبيا ، وهو كناية عن علم مذكر وفلانة عن علم مؤنث ، واشترط ابن الحاجب في فلان أن يكون محكيا بالقول كما هنا ، ورده في شرح التسهيل بأنه سمع خلافه كثيرا كقوله :
وإذا فلان مات عن أكرومة |
|
دفعوا معاوز فقره بفلان |