وكعب بن مالك وهم يبكون فقالوا : يا رسول الله لقد أنزل الله تعالى هذه الآية وهو يعلم أنّا شعراء هلكنا فأنزل الله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) إلخ فدعاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتلاها عليهم.
وأنت تعلم أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ، وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قرأ قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) إلى آخر الصفات فقال : هم أبو بكر وعمر وعلي وعبد الله بن رواحة ولعله من باب الاقتصار على بعض ما يدل عليه اللفظ فقد جاء عنه في بعض الروايات ما يشعر بالعموم ، هذا واستدل بالآية على ذم الشعر والمبالغة في المدح والهجو وغيرهما من فنونه وجوازه في الزهد والأدب ومكارم الأخلاق وجواز الهجو لمن ظلم انتصارا كذا قيل. واعلم أن الشعر باب من الكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح ، وفي الحديث : «إن من الشعر لحكمة» وقد سمع رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم الشعر وأجاز عليه وقال عليه الصلاة والسلام لحسان رضي الله تعالى عنه : ـ اهجهم ـ يعني المشركين فإن روح القدس سيعينك ، وفي رواية «اهجهم وجبريل معك».
وأخرج ابن سعد عن ابن بريدة أن جبريل عليهالسلام أعان حسانا على مدحته النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم بسبعين بيتا ، وأخرج أحمد والبخاري في التاريخ وأبو يعلى وابن مردويه عن كعب بن مالك أنه قال للنبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم إن الله تعالى أنزل في الشعراء ما أنزل فكيف ترى فيه؟ فقال : إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل ، وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين «قال : رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم ليلة وهم في سفر أين حسان بن ثابت فقال : لبيك يا رسول الله وسعديك قال : خذ فجعل ينشده ويصغي إليه حتى فرغ من نشيده فقال رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم : لهذا أشد عليهم من وقع النبل» ، ويروى عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم بني لحسان بن ثابت منبرا في المسجد ينشد عليه الشعر. وأخرج الديلمي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرفوعا الشعراء الذين يموتون في الإسلام يأمرهم الله تعالى أن يقولوا شعرا يتغنى به الحور العين لأزواجهن في الجنة والذين ماتوا في الشرك يدعون بالويل والثبور في النار ، وقد أنشد كل من الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم أجمعين الشعر ، وكذا كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، فمن شعر أبي بكر رضي الله تعالى عنه :
أمن طيف سلمى بالبطاح الدمائث |
|
أرقت وأمر في العشيرة حادث |
ترى من لؤي فرقة لا يصدها |
|
عن الكفر تذكير ولا بعث باعث |
رسول أتاهم صادق فتكذبوا |
|
عليه وقالوا لست فينا بماكث |
ولما دعوناهم إلى الحق أدبروا |
|
وهروا هرير المجحرات اللواهث |
فكم قد مثلنا فيهم بقرابة |
|
وترك التقى شيء لهم غير كارث |
فإن يرجعوا عن كفرهم وعقوقهم |
|
فما طيبات الحل مثل الخبائث |
وإن يركبوا طغيانهم وضلالهم |
|
فليس عذاب الله عنهم بلابث |
ونحن أناس من ذؤابة غالب |
|
لنا العز منها في الفروع الأثائث |
فأولى برب الراقصات عشية |
|
حراجيج تخدي في السريح الرثائث |
كأدم ظباء حول مكة عكف |
|
يردن حياض البئر ذات النبائث |
لئن لم يفيقوا عاجلا من ضلالهم |
|
ولست إذا آليت يوما بحانث |
لتبتدرنهم غارة ذات مصدق |
|
تحرم أطهار النساء الطوامث |