وقال بعضهم في الوجه الأول أيضا إن الضمير القائم مقام الفاعل ليس لموسى عليهالسلام بل هو لمصدر الفعل أي نودي هو أي النداء ، وفسر النداء بما بعده ، والأظهر في الضمير رجوعه لموسى وفي أن أنها مفسرة وفي (بُورِكَ) أنه خبر وهو من البركة وقد تقدم معناها ، وقيل : هنا المعنى قدس وطهر وزيد خيرا (مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) ذهب جماعة إلى أن في الكلام مضافا مقدرا في موضعين أي من في مكان النار ومن حول مكانها قالوا : ومكانها البقعة التي حصلت فيها وهي البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى : (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) [القصص : ٣٠] وتدل على ذلك قراءة أبي «تباركت الأرض ومن حولها» واستظهر عموم من لكل (مَنْ) في ذلك الوادي وحواليه من أرض الشام الموسومة بالبركات لكونها مبعث الأنبياء عليهمالسلام وكفاتهم أحياء وأمواتا ولا ولا سيما تلك البقعة التي كلم الله تعالى موسى عليهالسلام فيها.
وقيل : من في النار موسى عليهالسلام ومن حولها الملائكة الحاضرون عليهمالسلام ، وأيد بقراءة أبي فيما نقل أبو عمرو الداني وابن عباس ومجاهد وعكرمة «ومن حولها من الملائكة» وهي عند كثير تفسير لا قراءة لمخالفتها سواد المصحف المجمع عليه ، وقيل : الأول الملائكة والثاني موسى عليهمالسلام ، واستغنى بعضهم عن تقدير المضاف بجعل الظرفية مجازا عن القرب التام ، وذهب إلى القول الثاني في المراد بالموصولين ، وأيا ما كان فالمراد بذلك بشارة موسى عليهالسلام ، والمراد بقوله تعالى على ما قيل : (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) تعجيب له عليهالسلام من ذلك وإيذان بأن ذلك مريده ومكونه رب العالمين تنبيها على أن الكائن من جلائل الأمور وعظائم الشئون ، ومن أحكام تربيته تعالى للعالمين أو خبر له عليهالسلام بتنزيهه سبحانه لئلا يتوهم من سماع كلامه تعالى التشبيه بما للبشر أو طلب منه عليهالسلام لذلك.
وجوز أن يكون تعجبا صادرا منه عليهالسلام بتقدير القول أي وقال سبحان الله إلخ ، وقال السدي : هو من كلام موسى عليهالسلام قاله لما سمع النداء من الشجرة تنزيها لله تعالى عن سمات المحدثين ، وكأنه على تقدير القول أيضا ، وجعل المقدر عطفا على (نُودِيَ). وقال ابن شجرة : هو من كلام الله تعالى ومعناه وبورك من سبح الله تعالى رب العالمين ، وهذا بعيد من دلالة اللفظ جدا ، وقيل : هو خطاب لنبينا صلىاللهعليهوسلم مراد به التنزيه وجعل معترضا بين ما تقدم وقوله تعالى : (يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فإنه متصل معنى بذلك والضمير للشأن ، وقوله سبحانه : (أَنَا اللهُ) مبتدأ وخبر و (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) نعتان للاسم الجليل ممهران لما أريد إظهاره على يده من المعجزة أي أنا الله القوي القادر على ما لا تناله الأوهام من الأمور العظام التي من جملتها أمر العصا واليد الفاعل كل ما أفعله بحكمة بالغة وتدبير رصين ، والجملة خبر إن مفسرة لضمير الشأن.
وجوز أن يكون الضمير راجعا إلى ما دل عليه الكلام وهو المكلم المنادي و (أَنَا) خبر أي إن مكلمك المنادي لك أنا ، والاسم الجليل عطف بيان لأنا ، وتجوز البدلية عند من جوز إبدال الظاهر من ضمير المتكلم بدل كل ، ويجوز أن يكون (أَنَا) توكيدا للضمير و (اللهُ) الخبر. وتعقب أبو حيان إرجاع الضمير للمكلم المنادى بأنه إذا حذف الفاعل وبنى فعله للمفعول لا يجوز عود ضمير على ذلك المحذوف لأنه نقض للغرض من حذفه والعزم على أن لا يكون محدثا عنه ، وفيه أنه لم يقل أحد إنه عائد على الفاعل المحذوف بل على ما دل عليه الكلام ولو سلّم فلا امتناع في ذلك إذا كان في جملة أخرى ؛ وأيضا قوله والعزم على أن لا يكون محدثا عنه غير صحيح لأنه قد يكون محدثا عنه ويحذف للعلم به وعدم الحاجة إلى ذكره ، ثم إن الحمل مفيد من غير رؤية لأنه عليهالسلام علمه سبحانه علم اليقين بما وقر في قلبه فكأنه رآه عزوجل ، هذا وفي قوله تعالى : (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) إلخ أقوال أخر ، الأول