عليهمالسلام شرف لأنه في الحقيقة لله عزوجل الذي سخر كل شيء. وإذا اعتبر في نفسه فالتعليل بذلك غير مناسب للمقام ويكفي هذا في عدم قبوله (فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي يحبس أولهم ليلحق آخرهم فيكونوا مجتمعين لا يتخلف منهم أحد وذلك للكثرة العظيمة ، ويجوز أن يكون ذلك لترتيب الصفوف كما هو المعتاد في العساكر والأول أولى وفيه مع الدلالة على الكثرة والإشعار بكمال مسارعتهم إلى السير الدلالة على أنهم كانوا مسوسين غير مهملين لا يتأذى أحد بهم. وأصل الوزع الكف والمنع ، ومنه قول عثمان رضي الله تعالى عنه : ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن. وقول الحسن لا بد للقاضي من وزعة ، وقول الشاعر :
ومن لم يزعه لبه وحياؤه |
|
فليس له من شيب فوديه وازع |
وتخصيص حبس أوائلهم بالذكر دون سوق أواخرهم مع أن التلاحق يحصل بذلك أيضا لأن في ذلك شفقة على الطائفتين ، أما الأوائل فمن جهة أن يستريحوا في الجملة بالوقوف عن السير ، وأما الأواخر فمن جهة أن لا يجهدوا أنفسهم بسرعة السير ، وقيل : إن ذلك لما أن أواخرهم غير قادرين على ما يقدر عليه أوائلهم من السير السريع ، وأخرج الطبراني ، والطستي في مسائله عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه يحبس أولهم على آخرهم حتى تنام الطير والله تعالى أعلم بصحة الخبر. والظاهر أن هذا الوزع إذا لم يكن سيرهم بتسيير الريح في الجو ، والأخبار في قصته عليهالسلام كثيرة.
فقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كان يوضع لسليمان ثلاثمائة ألف كرسي فيجلس مؤمني الإنس مما يليه ومؤمني الجن من ورائهم ثم يأمر الطير فتظله ثم يأمر الريح فتحمله فيمرون على السنبلة فلا يحركونها ، وأخرج الحاكم عن محمد بن كعب قال : بلغنا أن سليمان عليهالسلام كان معسكره مائة فرسخ خمسة وعشرون للإنس وخمسة وعشرون للجن وخمسة وعشرون للوحش وخمسة وعشرون للطير وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاثمائة منكوحة وسبعمائة سرية فيأمر الريح العاطف فترفعه ثم يأمر الرخاء فتسير به. وأوحى الله عزوجل إليه وهو يسير بين السماء والأرض إني قد زدتك في ملكك إنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء إلا جاءت به الريح إليك وألقته في سمعك. ويروى أن الجن نسجت له عليهالسلام بساطا من ذهب وإبريسم فرسخا في فرسخ ومنبره في وسطه من ذهب فيصعد عليه وحوله ستمائة ألف كرسي من ذهب وفضة فتقعد الأنبياء عليهمالسلام على كراسي الذهب والعلماء على كراسي الفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين وتظله الطير بأجنحتها وترفع ريح الصبا البساط مسيرة شهر.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر عن وهب بن منبه قال : مر سليمان عليهالسلام وهو في ملكه وقد حملته الريح على رجل حراث من بني إسرائيل فلما رآه قال : سبحان الله لقد أوتي آل داود ملكا فحملتها الريح فوضعتها في أذنه فقال : ائتوني بالرجل قال : ما ذا قلت؟ فأخبره فقال سليمان : إني خشيت عليك الفتنة لثواب سبحان الله عند الله يوم القيامة أعظم مما رأيت. آل داود أوتوا فقال الحراث أذهب الله تعالى همك كما أذهبت همي. وفي بعض الروايات أنه عليهالسلام نزل ومشى إلى الحراث وقال : إنما مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه ثم قال : لتسبيحة واحدة يقبلها الله تعالى خير مما أوتي آل داود ، وأكثر الأخبار في هذا الشأن لا يعول عليها فعليك بالإيمان بما نطق به القرآن ودلت عليه الأخبار الصحيحة وإياك من الانتصار لما لا صحة له مما يذكره كثير من القصاص والمؤرخين مما فيه مبالغات شنيعة بمجرد أنها أمور ممكنة يصح تعلق قدرته عزوجل بها فتفتح بذلك باب السخرية بالدين والعياذ بالله تعالى ، ولا يبعد أن يكون أكثر ما تضمن مثل ذلك من وضع الزنادقة يريدون به التنفير عن دين