ولعل الأظهر احتمال كونه استئنافا من جهته عزوجل خاطب سبحانه به هذه الأمة. والجملة معترضة ويوقف على هذه القراءة على (يَهْتَدُونَ) استحسانا ويوجب ذلك زيادة عدة آيات هذه السورة على ما قالوه فيها عند بعض ، وقيل : لا يوجبها فإن الآيات توقيفية ليس مدارها على الوقف وعدمه فتأمل. والفرق بين القراءتين معنى أن في الآية على الأولى ذما على ترك السجود وفيها على الثانية أمرا بالسجود. وأيا ما كان فالسجود واجب عند قراءة الآية ، وزعم الزجاج وجوبه على القراءة الثانية وهو مخالف لما صرح به الفقهاء ولذا قال الزمخشري إنه غير مرجوع إليه. وقرأ الأعمش : «هلا يسجدون» على التحضيض وإسناد الفعل إلى ضمير الغائبين. وفي قراءة أبي «ألا تسجدون» على العرض وإسناد الفعل إلى ضمير المخاطبين ، وفي حرف عبد الله «ألا هل تسجدون» بألا الاستفتاحية وهل الاستفهامية. وإسناد الفعل إلى ضمير المخاطبين قاله ابن عطية وفي الكشاف ما فيه مخالفة ما له والعالم بحقيقة الحال هو الله عزوجل.
(الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي يظهر الشيء المخبوء فيهما كائنا ما كان فالخبء مصدر أريد به اسم المفعول. وفسره بعضهم هنا بالمطر والنبات ، وروي ذلك عن ابن زيد. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب أنه فسره بالماء والأولى التعميم كما روي ذلك جماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
و (فِي السَّماواتِ) متعلق بالخبء ، وعن الفراء أن (فِي) بمعنى من فالجار والمجرور على هذا متعلق بيخرج والظاهر ما تقدم. واختيار هذا الوصف لما أنه أوفق بالقصة حيث تضمنت ما هو أشبه شيء بإخراج الخبء وهو إظهار أمر بلقيس وما يتعلق به. وعلى هذا القياس اختيار ما ذكر بعد من صفاته عزوجل ، وقيل : إن تخصيص هذا الوصف بالذكر لما أن الهدهد أرسخ في معرفته والإحاطة بأحكامه بمشاهدة آثاره التي من جملتها ما أودعه الله تعالى في نفسه من القدرة على معرفة الماء تحت الأرض. وأنت تعلم أن كون الهدهد أودع فيه القدرة على ما ذكر مما لم يجيء فيه خبر يعول عليه ، وأيضا التعليل المذكور لا يتسنى على قراءة ابن عباس والستة الذين معه (أَلَّا يَسْجُدُوا) بالتخفيف إذا جعل الكلام استئنافا من جهته عزوجل أو من جهة سليمان عليهالسلام. وقرأ أبي وعيسى «الخب» بنقل حركة الهمزة إلى الباء وحذف الهمزة. وحكى ذلك سيبويه عن قوم من بني تميم وبني أسد.
وقرأ عكرمة بألف بدل الهمزة فلزم فتح ما قبلها وهي قراءة عبد الله ومالك بن دينار وخرجت على لغة من يقول في الوقف هذا الخبو ومررت بالخبي ورأيت الخبا وأجرى الوصل مجرى الوقف. وأجاز الكوفيون أن يقال في المرأة والكمأة المرأة والكماة بإبدال الهمزة ألفا وفتح ما قبلها. وذكر أن هذا الإبدال لغة.
وجوز أن يكون (الْخَبْءَ) من ذلك ومنعه الزمخشري مدعيا أن ذلك لغة ضعيفة مسترذلة. وعلل بأن الهمزة إذا سكن ما قبلها فطريق تخفيفها الحذف لا القلب كما يقال في الكمء كمه. وتعقبه في الكشف فقال : تخريجه على الوقف فيه ضعفان لأن الوقف على ذلك الوجه ليس من لغة الفصحاء وإجراء الوصل مجرى الوقف فيما لا يكثر استعماله كذلك. وأما تلك اللغة فعن الكوفيين أنها قياس انتهى. وزعم أبو حاتم أن الخبا بالألف لا يجوز أصلا وهو من قصور العلم ، قال المبرد : كان أبو حاتم دون أصحابه في النحو ولم يلحق بهم إلا أنه إذا خرج من بلدتهم لم يلق أعلم منه. وأشير بعطف قوله تعالى : (وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ) على (يُخْرِجُ) إلى أنه تعالى يخرج ما في العالم الإنساني من الخفايا كما يخرج ما في العالم الكبير من الخبايا لما أن المراد يظهر ما تخفونه من الأحوال فيجازيكم بها وذكر ما تعلنون لتوسيع دائرة العلم أو للتنبيه على تساويهما بالنسبة إلى العلم الإلهي كذا قيل. ويشعر كلام بعضهم بأنه أشير بما تقدم إلى كمال قدرته تعالى وبهذا إلى كمال علمه عزوجل وأنه استوى فيه الباطن والظاهر. وقدم (ما