تُخْفُونَ) لذلك مع مناسبته لما قبله من الخبء وقدم وصفه تعالى بإخراج الخبء من السماوات لأنه أشد ملاءمة للمقام ، والخطاب على ما قيل إما للناس أو لقوم سليمان أو لقوم بلقيس. وفي الكلام التفات.
وقرأ الحرميان والجمهور «ما يخفون وما يعلنون» بياء الغيبة ، وفي الكشاف عن أبي أنه قرأ «ألا تسجدون لله الذي يخرج الخبء من السماء والأرض ويعلم سركم وما تعلنون».
(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) في معنى التعليل لوصفه عزوجل بكمال القدرة وكمال العلم. و (الْعَظِيمِ) بالجر صفة العرش وهو نهاية الأجرام فلا جرم فوقه ، وفي الآثار من وصف عظمه ما يبهر العقول ويكفي في ذلك أن الكرسي الذي نطق الكتاب العزيز بأنه وسع السماوات والأرض بالنسبة إليه كحلقة في فلاة ، وهو عند الفلاسفة محدد الجهات وذهبوا إلى أنه جسم كري خال عن الكواكب محيط بسائر الأفلاك محرك لها قسرا من المشرق إلى المغرب ولا يكاد يعلم مقدار ثخنه إلا الله تعالى ، وفي الأخبار الصحيحة ما يأبى بظاهره بعض ذلك. وأيا ما كان فبين عظمه وعظم عرش بلقيس بون عظيم.
وقرأ ابن محيصن وجماعة «العظيم» بالرفع فاحتمل أن يكون صفة للعرش مقطوعة بتقدير هو فتستوي القراءتان معنى. واحتمل أن يكون صفة للرب (قالَ) استئناف بياني كأنه قيل : فما ذا فعل سليمان عليهالسلام عند قوله ذلك؟ فقيل قال : (سَنَنْظُرُ) أي فيما ذكرته من النظر بمعنى التأمل والتفكر ، والسين للتأكيد أي سنتعرف بالتجربة البتة (أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) جملة معلق عنها الفعل للاستفهام. وكان مقتضى الظاهر أم كذبت وإيثار ما عليه النظم الكريم للإيذان بأن كذبه في هذه المادة يستلزم انتظامه في سلك الموسومين بالكذب الراسخين فيه فإن مساق هذه الأقاويل الملفقة مع ترتيب أنيق يستميل قلوب السامعين نحو قبولها من غير أن يكون لها مصداق أصلا لا سيما بين يدي نبي عظيم تخشى سطوته لا يكاد يصدر إلا عمن رسخت قدمه في الكذب والإفك وصار سجية له حتى لا يملك نفسه عنه في أي موطن كان ، وزعم بعضهم أن ذاك لمراعاة الفاصلة وليس بشيء أصلا ، وفي الآية على ما في الإكليل قبول الوالي عذر رعيته ودرء العقوبة عنهم وامتحان صدقهم فيما اعتذروا به ، وقوله تعالى : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ) استئناف مبين لكيفية النظر الذي وعده عليهالسلام بعد ما كتب كتابه في ذلك المجلس أو بعده. فهذا إشارة إلى الحاضر وتخصيصه عليهالسلام إياه بالرسالة دون سائر ما تحت ملكه من أمناء الجن الأقوياء على التصرف والتعرف لما عاين فيه من مخايل العلم والحكمة ولئلا يبقى له عذر أصلا ، وفي الآية دليل على جواز إرسال الكتب إلى المشركين من الإمام لإبلاغ الدعوة والدعاء إلى الإسلام. وقد كتب رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وغيرهما من ملوك العرب ، وقرئ في السبعة «فألقه» بكسر الهاء وياء بعدها وباختلاس الكسرة وبسكون الهاء ، وقرأ مسلم بن جندب بضم الهاء وواو بعدها (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) أي تنح وحمل على ذلك لأن التولي بالكلية ينافي قوله : (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) إلا أن يحمل على القلب كما زعم ابن زيد وأبو علي وهو غير مناسب. وأمره عليهالسلام إياه بالتنحي من باب تعليم الأدب مع الملوك كما روي عن وهب.
والنظر بمعنى التأمل والتفكر و (ما ذا) إما كلمة استفهام في موضع المفعول ليرجعون ورجع تكون متعدية كما تكون لازمة أو مبتدأ وجملة (يَرْجِعُونَ) خبره. وإما أن تكون ما استفهامية مبتدأ وذا اسم موصول بمعنى الذي خبره وجملة (يَرْجِعُونَ) صلة الموصول والعائد محذوف. وأيا ما كان فالجملة معلق عنها فعل القلب فمحلها النصب على إسقاط الخافض ، وقيل : النظر بمعنى الانتظار كما في قوله تعالى : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) [الحديد : ١٣] فلا