وجوز كونها مصدرية حذف منها حرف الجر أي بأن ، وقيل لأن ووصلها بالأمر جائز لا ضير فيه كما مر.
وقرئ بضم النون اتباعا لها للباء (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ) أي فاجأ إرسالنا تفرقهم واختصامهم فآمن فريق وكفر فريق وكان ما حكى الله تعالى في محل آخر بقوله سبحانه : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) [الأعراف : ٧٥] الآية. فإذا فجائية والعامل فيها مقدر لا (يَخْتَصِمُونَ) خلافا لأبي البقاء لأنه صفة (فَرِيقانِ) كما قال ومعمول الصفة لا يتقدم على الموصوف ، وقيل : هذا حيث لا يكون المعمول ظرفا ، وضمير (يَخْتَصِمُونَ) لمجموع الفريقين ولم يقل يختصمان للفاصلة ، ويوهم كلام بعضهم أن الجملة خبر ثان وهو كما ترى ، و (هُمْ) راجع إلى ثمود لأنه اسم للقبيلة ، وقيل : إلى هؤلاء المذكورين ليشمل صالحا عليهالسلام والفريقان حينئذ أحدهما صالح وحده وثانيهما قومه.
والحامل على هذا كما ذكره ابن عادل العطف بالفاء فإنها تؤذن أنهم عقيب الإرسال بلا مهلة صاروا فريقين ولا يصير قومه عليهالسلام فريقين إلا بعد زمان. وفيه أنه يأباه قوله تعالى : (اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) وتعقيب كل شيء بحسبه على أنه يجوز كون الفاء لمجرد الترتيب. ولعل فريق الكفرة أكثر ولذا ناداهم بقوله يا قوم كما حكي عنه في قوله تعالى : (قالَ يا قَوْمِ) لجعله في حكم الكل أي قال عليهالسلام للفريق الكافر منهم بعد ما شاهد منهم ما شاهد من نهاية العتو والعناد حتى بلغوا من المكابرة إلى أن قالوا له عليهالسلام يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين متلطفا بهم يا قوم (لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ) أي بالعقوبة التي تسوؤكم (قَبْلَ الْحَسَنَةِ) أي التوبة فتؤخرونها إلى حين نزولها حيث كانوا من جهلهم وغوايتهم يقولون إن وقع إبعاده تبنا حينئذ وإلا فنحن على ما نحن عليه (لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ) أي هلا تستغفرونه تعالى قبل نزولها (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بقبولها إذ سنة الله تعالى عدم القبول عند النزول. وقد خاطبهم عليهالسلام على حسب تخمينهم وجهلهم في ذلك بأن ما خمنوه من التوبة إذ ذاك فاسدة وأن استعجالهم ذلك خارج من المعقول. والتقابل بين السيئة والحسنة بالمعنى الذي سمعت حاصل من كون أحدهما حسنا والآخر سيئا ، وقيل : المراد بالسيئة تكذيبهم إياه عليهالسلام وكفرهم به وبالحسنة تصديقهم وإيمانهم ، والمراد من قوله : (لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ) إلخ لومهم على المسارعة إلى تكذيبهم إياه وكفرهم به وحضهم على التوبة من ذلك بترك التكذيب والإيمان. وحاصله لومهم على إيقاع التكذيب عند الدعوة دون التصديق وحضهم على تلافي ذلك. وإيهام الكلام انتفاء اللوم على إيقاع التكذيب بعد التصديق مما لا يكاد يلتفت إليه. ولا يخفى بعد طي الكشح عن المناقشة فيما ذكر أن المناسب لما حكى الله تعالى عن القوم في سورة الأعراف ولما جاء في الآثار هو المعنى الأول. ومن هنا ضعف ما روي عن مجاهد من تفسير الحسنة برحمة الله تعالى لتقابل السيئة المفسرة بعقوبته عزوجل ويكون المراد من استعجالهم بالعقوبة قبل الرحمة طلبهم إياها دون الرحمة فتأمل (قالُوا اطَّيَّرْنا) أصله تطيرنا وقرئ به فأدغمت التاء في الطاء وزيدت همزة الوصل ليتأتى الابتداء ، والتطير التشاؤم عبر عنه بذلك لما أنهم كانوا إذا خرجوا مسافرين فيمرون بطائر يزجرونه فإن مر سانحا بأن مر من ميامن الشخص إلى مياسرة تيمنوا وإن مر بارحا بأن مر من المياسر إلى الميامن تشاءموا لأنه لا يمكن للمار به كذلك أن يرميه حتى ينحرف فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير لما كان سببا لهما من قدر الله تعالى وقسمته عزوجل أو من عمل العبد الذي هو سبب الرحمة والنعمة أي تشاءمنا (بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) في دينك حيث تتابعت علينا الشدائد ـ وقد كانوا قحطوا ـ ولم نزل في اختلاف وافتراق مذ اخترعتم دينكم ، وتشاؤمهم يحتمل أن يكون من المجموع وأن يكون من كل من المتعاطفين.
(قالَ طائِرُكُمْ) أي سببكم الذي منه ينالكم ما ينالكم من الشر (عِنْدَ اللهِ) وهو قدره سبحانه أو عملكم