العاقل على غيره ، ويلزم عليه أن يختص بأحد وشبهه وهو فاسد ـ كما قال ابن خروف ـ لأن ما يبدل منه في هذا الباب غير ما ذكر أكثر من أن يحصى ا ه.
وكلام الزمخشري يوهم صدره أن الاستثناء هنا من قبيل الاستثناء في المثالين اللذين ذكرهما سيبويه ، وفي البيت الذي ذكرناه قبيلهما ، ويفهم عجزه أنه من قبيل الاستثناء في الرجز السابق ، وأن الداعي إلى اختيار المذهب التميمي نكتة المبالغة التي سمعتها ، وقد صرحوا أن إفادة تلك النكتة إنما تتأتى إذا جعل الاستثناء منقطعا تحقيقا متصلا تأويلا ، ولعل الحق أنه إذا أريد الدلالة على قوة النفي تعين جعل الاستثناء نحو الاستثناء في قوله : «وبلدة» إلخ ، وإذا أريد الدلالة على عموم النفي تعين جعله نحو الاستثناء في قولهم : ما أعانه إخوانكم إلا إخوانه فتدبر ، وجوز كونه متصلا كما هو الأصل في الاستثناء على أن المراد بمن في السماوات والأرض من اطلع عليهما اطلاع الحاضر فيهما مجازا مرسلا أو استعارة ، وأيا ما كان فهو معنى مجازي عام له تعالى شأنه ولذوي العلم من خلقه وهو المخلص من لزوم ارتكاب الجمع بين الحقيقة والمجاز المختلف في صحته كما فعله بعض القائلين بالاتصال ، وقيل : يعلق الجار والمجرور على ذلك التقدير بنحو يذكر من الأفعال المنسوبة على الحقيقة إلى الله تعالى وإلى المخلوقين لا بنحو استقر مما لا يصح نسبته إليه سبحانه على الحقيقة أي لا يعلم من يذكر في السماوات والأرض الغيب إلا الله ، ويجوز تعليقه باستقر أيضا إلا أنه يجعل مسندا إلى مضاف حذف وأقيم المضاف إليه مقامه أي لا يعلم من استقر ذكره في السماوات والأرض الغيب إلا الله فحذف الفعل والمضاف واستتر الضمير لكونه مرفوعا ، وهذا وما قبله كما ترى ، واعترض حديث الاتصال بأنه يلزم عليه التسوية بينه تعالى وبين غيره في إطلاق لفظ واحد وهو أمر مذموم ، فقد أخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن عدي بن حاتم أن رجلا خطب عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : ومن يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بئس خطيب القوم أنت قل ومن يعص الله ورسوله» ، وأجيب بأن ذلك مما يذم إذا صدر من البشر أما إذا صدر منه تعالى فلا يذم على أن كونه مما يذم إذا صدر من البشر مطلقا ممنوع ، فقد روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ثلاث من كن فيه وجد بهن طعم الإيمان من كان الله تعالى ورسوله أحب إليه مما سواهما» الحديث ، ولعل مدار الذم والمدح تضمن ذلك نكتة لطيفة وعدم تضمنه إياها ، وقد قيل في حديث أنس : النكتة في تثنية الضمير الإيماء إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين ، والنكتة في إفراده في حديث عدي الإشعار بأن كلا من العصيانين مستقل باستلزام الغواية ، وقد مر الكلام في هذا المبحث فتذكر ، وجوز أن يعرب من مفعول ـ يعلم. والغيب ـ بدل اشتمال منه ، والاسم الجليل فاعل (يَعْلَمُ) ويكون استثناء مفرغا أي لا يعلم غيب من في السماوات والأرض إلا الله ولا يخفى بعده.
والغيب في الأصل مصدر غابت الشمس وغيرها إذا استترت عن العين ، واستعمل في الشيء الغائب الذي لم تنصب له قرينة وكون ذلك غيبا باعتباره بالناس ونحوهم لا بالله عزوجل فإنه سبحانه لا يغيب عنه تعالى شيء لكن لا يجوز أن يقال : إنه جل وعلا لا يعلم الغيب قصدا إلى أنه لا غيب بالنسبة إليه ليقال يعلمه ، وقد شنع الشيخ أحمد الفاروقي السرهندي المشهور بالإمام الرباني في مكتوباته ـ على من قال ذلك قاصدا ما ذكر ـ أتم تشنيع كما هو عادته جزاه الله تعالى خيرا فيمن لم يتأدب بآداب الشريعة الغراء ، والظاهر عموم الغيب ، وقيل : المراد به الساعة ، وقيل : ما يضمره أهل السماوات والأرض في قلوبهم ، وقيل : المراد جنس الغيب ، ويلزم من نفي علم جنسه عن غيره عزوجل نفي علم كل فرد من أفراده عن ذلك الغير ، ولا يضر في ذلك أن الآية لا تدل حينئذ على ثبوت علم كل غيب له عزوجل بل قصارى ما تدل عليه ثبوت علم جنس الغيب له سبحانه لأنه المنفي صريحا عن المستثنى منه ولا يلزم من