في المجرور واللام على حقيقتها ، الثاني أن يشبه أولا ترتب غير العلة الغائية بترتب العلة الغائية أي يعتبر التشبيه بين الترتبين الكليين ليسري في جزئياتهما فيتحقق تبعا تشبيه ترتب كونه عدوا وحزنا أعني الترتب المخصوص على الالتقاط بترتب التبني ونحوه مما هو علة غائية ـ أعني الترتب المخصوص أيضا عليه ـ ثم يستعمل في المشبه اللام الموضوعة للدلالة على ترتب العلة الغائية الذي هو المشبه به فتكون الاستعارة أولا في العلية والعرضية وتبعا في اللام فصار حكم اللام حكم الأسد حيث استعيرت لما يشبه العلة كما استعير الأسد لما يشبه الأسد بيد أن الاستعارة هاهنا مكنية تبعية ، الثالث ما أفاده كلام الخطيب الدمشقي في التلخيص والإيضاح وهو أن يقدر التشبيه أولا لكونه عدوا وحزنا بالعلة الغائية ثم يسري ذلك التشبيه إلى تشبيه ترتبه بترتب العلة الغائية فتستعار اللام الموضوعة لترتب العلة الغائية لترتب كونه عدوا وحزنا من غير استعارة في المجرور وهذا التشبيه كتشبيه الربيع بالقادر المختار ثم إسناد الإنبات إليه وهو مفاد كلام الكشاف ، واختار ذلك العلامة عبد الحكيم ، فقال : وهو الحق عندي لأن اللام لما كان معناها محتاجا إلى ذكر المجرور كان اللائق أن تكون الاستعارة والتشبيه فيها تابعا لتشبيه المجرور لا تابعا لتشبيه معنى كلي بمعنى كلي معنى الحرف من جزئياته كما ذهب إليه السكاكي وتبعه العلامة التفتازاني انتهى فتأمل.
واستشكل أصل تعليل الالتقاط بأن الالتقاط الوجدان من غير قصد والتعليل يقتضي حقيقة القصد وهو توهم لأن الوجدان من غير قصد لا ينافي قصد أخذ ما وجد لغرض وقد علمت أن المعنى هنا فأخذه أخذ اللقطة أي أخذ اعتناء به آل فرعون ليكون إلخ ، والتعليل فيه إنما هو للأخذ ولا إشكال فيه.
وقال بعضهم : يحتمل تعلق اللام بمقدر أي قدرنا الالتقاط ليكون إلخ ، وعليه لا تجوز في الكلام إلا عند من يقول : إن أفعال الله تعالى لا تعلل وهو أمر غير ما نحن فيه ، ولا يخفى أن كلام الله سبحانه أجل وأعلى من أن يعتبر فيه مثل هذا الاحتمال ، وفي جعله عليهالسلام نفس الحزن ما لا يخفى من المبالغة وقرأ ابن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وابن سعدان ـ حزنا ـ بضم الحاء وسكون الزاي ، وقراءة الجمهور بفتحتين لغة قريش (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ) في كل ما يأتون وما يذرون أو من شأنهم الخطأ فليس ببدع منهم ان قتلوا ألوفا لأجله ثم أخذوه يربونه ليكبر ويفعل بهم ما كانوا يحذرون ، روي أنه ذبح في طلبه عليهالسلام تسعون ألف وليد. و (خاطِئِينَ) على هذا من الخطأ في الرأي ، ويجوز أن يكون من خطئ بمعنى أذنب ، وفي الأساس يقال: خطئ خطأ إذا تعمد الذنب ، والمعنى وكانوا مذنبين فعاقبهم الله تعالى بأن ربي عدوهم على أيديهم ، والجملة على الأول اعتراض بين المتعاطفين لتأكيد خطئهم المفهوم من قوله تعالى : (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) فإنه كما سمعت استعارة تهكمية على الثاني ، اعتراض لتأكيد ذنبهم المفهوم من حاصل الكلام ، وقيل : يتعين عليه أن تكون اعتراضا لبيان الموجب لما ابتلوا به ويحتمل على هذا أن تكون استئنافا بيانيا إن أريد بما ابتلوا به كونه عدوا وحزنا وهو لا ينافي الاعتراض عندهم ، وقرئ خاطين بغير همز فاحتمل أن يكون أصله الهمز وحذفت وهو الظاهر ، وقيل : هو من خطا يخطو أي خاطين الصواب إلى ضده فهو مجاز.
(وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ) آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف الصديق عليهالسلام وعلى هذا لم تكن من بني إسرائيل ، وقيل : كانت منهم من سبط موسى عليهالسلام ، وحكى السهيلي أنها كانت عمته عليهالسلام وهو قول غريب ، والمشهور القول الأول. والجملة عطف على جملة فالتقطه آل فرعون أي وقالت امرأة فرعون له حين أخرجته من التابوت.