(قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) أي هو قرة عين كائنة لي ولك على أن قرة خبر مبتدأ محذوف ، والظرف في موضع الصفة له ويبعد كما في البحر أن يكون مبتدأ خبره جملة قوله تعالى : (لا تَقْتُلُوهُ) وقالت ذلك لما ألقى الله تعالى من محبته في قلبها أو لما كشف لها فرأته من النور بين عينيه أو لما شاهدته من برء بنت فرعون من البرص بريقه أو بمجرد النظر إلى وجهه ، ولتفخيم شأن القرة عدلت عن لنا إلى لي ولك وكأنها لما تعلم من مزيد حب فرعون إياها وأن مصلحتها أهم عنده من مصلحة نفسه قدمت نفسها عليه فيكون ذلك أبلغ في ترغيبه بترك قتله ، فلا يقال إن الأظهر في الترغيب بذلك العكس وقد يستأنس لكون مصلحتها أهم عنده من مصلحة نفسه ما أخرج النسائي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها حين قالت له ذلك قال لك لا لي ولو قال لي كما هو لك لهداه الله تعالى كما هداها ، وهذا أمر فرضي فلا ينافي ما ورد من أنه عليه اللعنة طبع كافرا ، والخطاب في لا تقتلوه قيل : لفرعون وإسناد الفعل إليه مجازي لأنه الآمر والجمع للتعظيم ، وكونه لا يوجد في كلام العرب الموثوق بهم إلا في ضمير المتكلم كفعلنا مما تفرد به الرضي وقلده فيه من قلده وهو لا أصل له رواية ودراية قال أبو علي الفارسي في فقه اللغة من سنن العرب مخاطبة الواحد بلفظ الجمع فيقال للرجل العظيم انظروا في أمري ، وهكذا في سر الأدب وخصائص ابن جني وهو مجاز بليغ وفي القرآن الكريم منه ما التزام تأويله سفه ، وقيل : هو لفرعون وأعوانه الحاضرين ورجح بما روي أن غواة قومه قالوا وقت إخراجه هذا هو الصبي الذي كنا نحذر منه فأذن لنا في قتله.
وقيل : هو له ولمن يخشى منه القتل وإن لم يحضر على التغليب ، واختار بعضهم كونه للمأمورين بقتل الصبيان كأنها بعد أن خاطبت فرعون وأخبرته بما يستعطفه على موسى عليهالسلام أمنت منه بادرة أمن جديد بقتله فالتفتت إلى خطاب المأمورين قبل فنهتهم عن قتله معللة ذلك بقوله تعالى المحكي عنها :
(عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) وهو أوفق باختلاف الأسلوب حيث فصلت أولا في قولها : لي ولك وأفردت ضمير خطاب فرعون ثم خاطبت وجمعت الضمير في لا تقتلوه ثم تركت التفصيل في (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) إلخ ولم تأت به على طرز قرة عين لي ولك بأن تقول : عسى أن ينفعني وينفعك مثلا فتأمل. ورجاء نفعه لما رأت فيه من مخايل البركة ودلائل النجابة :
في المهد ينطق عن سعادة جده |
|
أثر النجابة ساطع البرهان |
واتخاذه ولدا لأنه لائق لتبني الملوك لما فيه من الأبهة وعطف هذا على ما قبله من عطف الخاص على العام أو تعتبر بينهما المغايرة وهو الأنسب بأو (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) حال من آل فرعون والتقدير فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا وقالت امرأته له كيت وكيت ، وهم لا يشعرون بأنهم على خطأ عظيم فيما صنعوا. وقال قتادة : لا يشعرون أنه الذي يفسد ملكهم على يده. وقال مجاهد : أنه عدو لهم. وقال محمد بن إسحاق : أني أفعل ما أريد لا ما يريدون والتقدير الأول أجمع ، وجوز كونه حالا من القائلة والمقول له معا. والمراد بالجمع اثنان على احتمال كون الخطاب في لا تقتلوه لفرعون فقط وكونه حالا من القائلة فقط أي قالت امرأة فرعون له ذلك والذين أشاروا بقتله لا يشعرون بمقالتها له واستعطاف قلبه عليه لئلا يغروه بقتله وعلى الاحتمالات الثلاثة هو من كلام الله تعالى ، وجوز كونه حالا من أحد ضميري نتخذه على أن الضمير للناس لا لذي الحال إذ يكفي الواو للربط أي نتخذه ولدا والناس لا يعلمون أنه لغيرنا وقد تبنيناه فيكون من كلام آسية رضي الله تعالى عنها (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) أي صار خاليا من كل شيء غير ذكر موسى عليهالسلام أخرجه الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس وروي ذلك أيضا عن ابن مسعود والحسن ومجاهد ، ونحوه عن عكرمة