بذاك ، وإنما عبر عن ذلك بالسكون قيل : لما أن مقابله الذي هو زواله لما كان تدريجيا كان أشبه شيء بالحركة ، وقيل : لما أن مقابله الذي هو تغير حاله حسب تغير الأوضاع بين الظل وبين الشمس يرى رأي العين حركة وانتقالا.
وأفاد الزمخشري أنه قوبل مد الظل الذي هو انبساطه وامتداده بقوله تعالى : (ساكِناً) والسكون إنما يقابل الحركة فيكون قد أطلق (مَدَّ الظِّلَ) على الحركة مجازا من باب تسمية الشيء باسم ملابسة أو سببه كما قرره الطيبي وذكر أنه عدل عن حرك إلى مد مع أنه أظهر من مد في تناوله الانبساط والامتداد ليدمج فيه معنى الانتفاع المقصود بالذات وهو معرفة أوقات الصلوات فإن اعتبار الظل فيها بالامتداد دون الانبساط وتمم معنى الإدماج بقوله تعالى : (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) أي بالتدرج والمهل لمعرفة الساعات والأوقات وفيه لمحة من معنى قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ) [البقرة : ١٨٩] ا ه. ولا يبعد أن يقال : إن التعبير بمد لما أن الظل المذكور ظل الأفق الشرقي ، وقد اعتبر المشرق والمغرب طرفي جهتي الأرض طولا والشمال والجنوب طرفي جهتيها عرضا أو لأن ظهوره في الأرض وطول المعمور منها الذي يسكنه من يشاهد الظل أكثر من عرض المعمور منها إذ الأول كما هو المشهور نصف دور أعني مائة وثمانين درجة ، والثاني دون ذلك على جميع الأقوال فيه فيكون الظل بالنظر إلى الرائين في المعمور من الأرض ممتدا ما بين جهتي شرقيه وغربيه أكثر مما بين جهتي شمالية وجنوبيه ، وربما يقال : إن ذلك لما أن مبدأ الظل الفجر الأول وضوؤه يرى مستطيلا ممتدا كذنب السرحان ويلتزم القول بأنه لا يذهب بالكلية وإن ضعف بل يبقى حتى يمده ضوء الفجر الثاني فيرى منبسطا والله تعالى أعلم ، وقوله سبحانه : (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) عطف على (مَدَّ) داخل في حكمه أي ثم جعلنا طلوع الشمس دليلا على ظهوره للحس فإن الناظر إلى الجسم الملون حال قيام الظل عليه لا يظهر له شيء سوى الجسم ولونه ثم إذا طلعت الشمس ووقع ضوؤها على الجسم ظهر له أن الظل كيفية زائدة على الجسم ولونه.
والضد يظهر حاله الضد. قاله الرازي والطبري وغيرهما ، وقيل : أي ثم جعلناها دليلا على وجوده أي علة له لأن وجوده بحركة الشمس إلى الأفق وقربها منه عادة ولا يخفى ما فيه أو ثم جعلناها علامة يستدل بأحوالها المتغيرة على أحواله من غير أن يكون بينهما سببية وتأثير قطعا حسبما نطق به الشرطية المعترضة ، ومن الغريب الذي لا ينبغي أن يخرج عليه كلام الله تعالى المجيد أن على بمعنى مع أي ثم جعلنا الشمس مع الظل دليلا على وحدانيتنا على معنى جعلنا الظل دليلا وجعلنا الشمس دليلا على وحدانيتنا.
والالتفات إلى نون العظمة للإيذان بعظم قدر هذا الجعل لما يستتبعه من المصالح التي لا تحصى أو لما في الجعل المذكور العاري عن التأثير مع ما يشاهد بين الظل والشمس من الدوران المطرد المنبئ عن السببية من مزيد الدلالة على عظم القدرة ودقة الحكمة ، وثم إما للتراخي الرتبي ويعلم وجهه مما ذكر ، وإما للتراخي الزماني كما هو حقيقة معناها بناء على طول الزمان بين ابتداء الفجر وطلوع الشمس ، وقوله سبحانه (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) عطف على (مَدَّ) داخل في حكمه أيضا أي ثم أزلناه بعد ما أنشأناه ممتدا عند إيقاع شعاع الشمس موقعه أو بإيقاعه كذلك ومحوناه على مهل قليلا قليلا حسب سير الشمس ، وهذا ظاهر على القول بأن المراد بالظل ظل الشاخص من جبل ونحوه ، وأما على القول بأن المراد به ما بين الطلوعين فلأنه إذا عم لا يزول دفعة واحدة بطلوع الشمس في أفق لكروية الأرض واختلاف الآفاق فقد تطلع في أفق ويزول ما عند أهله من الظل وهي غير طالعة في أفق آخر وأهله في طرف من ذلك الظل ومتى ارتفعت عن الأفق الأول حتى بانت من أفقهم زال ما عندهم من الظل فزوال الظل بعد عمومه تدريجى كذا قيل.