على أكمل وجه وأحكم. وربما يقال أيضا : إن لها تعلقا بجميع ما قبلها ، أما تعلقها بالأمرين المذكورين فكما سمعت ، وأما تعلقها بذكر حال التائب فمن حيث إن انتظامه في سلك المفلحين يستدعي اختيار الله تعالى إياه واصطفاءه له وتمييزه على من عداه ، ولذا جيء بها بعد الأمور الثلاثة وذكر انحصار الخلق فيه تعالى وتقديمه على انحصار الاختيار والاصطفاء مع أن مبنى التجهيل والرد إنما هو الثاني للإشارة إلى أن انحصار الاختيار من توابع انحصار الخلق ، وفي ذكره تعالى بعنوان الربوبية إشارة إلى أن خلقه عزوجل ما شاء على وفق المصلحة والحكمة وإضافة الرب إليه صلى الله تعالى عليه وسلّم لتشريفه عليه الصلاة والسلام وهي في غاية الحسن إن صح ما تقدم عن الوليد سببا للنزول ، ويخطر في الباب احتمالات أخر في الآية فتأمل فإني لا أقول ما أبديته هو المختار كيف وربك جل شأنه يخلق ما يشاء ويختار (سُبْحانَ اللهِ) أي تنزه تعالى بذاته تنزها خاصا به من أن ينازعه أحد أو يزاحم اختياره عز شأنه (وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي عن إشراكهم على أن ما مصدرية ويحتمل أن تكون موصولة بتقدير مضاف أي عن مشاركة ما يشركونه به كذا قيل ، وجعل بعضهم (سُبْحانَ اللهِ) تعجيبا من إشراكهم من يضرهم بمن يريد لهم كل خير تبارك وتعالى وهو على احتمال كون (ما) فيما تقدم موصولة مفعول يختار ، والمعنى ويختار ما كان لهم فيه الخير والصلاح ، ويجوز أن يكون تعجيبا أيضا من اختيارهم شركاءهم الذين أعدوهم للشفاعة وإقدامهم على ما لم يكن لهم وذلك بناء على ما ظهر لنا وظاهر كلام كثير أن الآية ليست من باب الإعمال ، وجوز أن تكون منه بأن يكون كل من سبحان وتعالى طالبا عما يشركون والأفيد على ما قيل أن لا تكون منه.
(وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) أي ما يكنون ويخفون في صدورهم من الاعتقادات الباطلة ومن عداوتهم لرسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم ، ونحو ذلك (وَما يُعْلِنُونَ) وما يظهرونه من الأفعال الشنيعة والطعن فيه عليه الصلاة والسلام وغير ذلك ، ولعله للمبالغة في خباثة باطنهم لأن ما فيه مبدأ لما يكون في الظاهر من القبائح لم يقل ما يكون كما قيل : ما يعلنون.
وقرأ ابن محيصن «تكن» بفتح التاء وضم الكاف (وَهُوَ اللهُ) أي وهو تعالى المستأثر بالألوهية المختص بها ، وقوله سبحانه : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) تقرير لذلك كقولك : الكعبة القبلة لا قبلة إلا هي.
(لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) أي له تعالى ذلك دون غيره سبحانه لأنه جل جلاله المعطي لجميع النعم بالذات وما سواه وسائط ، والمراد بالحمد هنا ما وقع في مقابلة النعم بقرينة ذكرها بعده بقوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) إلخ.
وزعم بعضهم أن الحمد هنا أعم من الشكر ، واعتبر الحصر بالنسبة إلى مجموع حمدي الدارين زاعما أن الحمد في الدنيا وإن شاركه فيه غيره تعالى لكن الحمد في الآخرة لا يكون إلا له تعالى ، وفيه أن الحمد مطلقا مختص به تعالى لأن الفضائل والأوصاف الجميلة كلها بخلقه تعالى فيرجع الحمد عليها في الآخرة له تعالى لأنه جل وعلا مبدئها ومبدعها ، ولو نظر إلى الظاهر لم يكن حمد الآخرة مختصا به سبحانه أيضا فإن نبينا صلّى الله تعالى عليه وسلّم يحمده الأولون والآخرون عند الشفاعة الكبرى ، وفسر غير واحد حمده تعالى في الآخرة بقول المؤمنين: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) [الزمر : ٧٤] ، وقولهم : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) [فاطر: ٣٤] ، وقولهم : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الفاتحة : ٢] ، وقالوا : التحميد هناك على وجه اللذة لا الكلفة ، وفي حديث رواه مسلم وأبو داود عن جابر في وصف أهل الجنة يلهمون التسبيح والتهليل كما يلهمون النفس (وَلَهُ الْحُكْمُ) أي