ولكني أقول لكم ما أمر الله تعالى به نبيه موسى عليهالسلام وأعلمه أن الحجر النسطريس هو الذي يمسك الصبغ وقال بنسبتها إلى موسى عليهالسلام ذوسيموس وأرس ، وذكر أرس أن العمل بها كان طوع اليهود بمصر ، وكان يوسف عليهالسلام وهو أول من دخل مصر من بني إسرائيل يعرف ذلك فأكرمه فرعون لحكمته التي آتاه الله تعالى إياها ، وذكر أيضا فصلا مرموزا فيها نسبه إلى سليمان عليهالسلام.
وقال الطرسوسي في كتابه : إن الله تعالى لما أهبط آدم عليهالسلام من الجنة عوضه علم كل شيء وكان علم الصنعة مما علمه ، وانتقل من قوم إلى قوم كما انتقلت العلوم الأخر إلى أيام هرمس الأول ، وقال أيضا : حدثونا عن محمد بن جرير الطبري بإسناد له متصل أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : «زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وأعطيت الكبريت الأبيض والأحمر».
وروى جابر عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه في ذلك روايات كثيرة حتى أنه أسند إليه عدة من كتبه ولا أحقق قوله ولا أكذبه وأجله لموضعه من العلم والعمل عن الافتراء على الأئمة ، وروي عن أمير المؤمنين علي كرّم الله تعالى وجهه أنه سئل فقيل : له ما تقول فيما خاض الناس فيه من علم الكيمياء؟ فأطرق مليا ثم رفع رأسه ثم قال : سألتموني عن أخت النبوة وتوأم المروة لقد كان وإنه لكائن وما من شجرة ولا مدرة ولا شيء إلا وفيه أصل وفرع أو أصل أو فرع قيل : يا أمير المؤمنين أما تعلمه؟ قال : والله تعالى أنا أعلم به من العالمين له لأنهم يتكلمون بالعلم على ظاهره دون باطنه وأنا أعلم العلم ظاهره وباطنه ، قيل : فاذكر لنا منه شيئا نأخذه منك ، قال : والله تعالى لو لا أن النفس أمارة بالسوء لقلت : قيل : فما كان تقول؟ قال : إني أعلم أن في الزئبق الرجراج والذهب الوهاج والحديد المزعفر وزنجار النحاس الأخضر لكنوزا لا يؤتى على آخرها يلقح بعضها ببعض فتفتر عن ذهب كامن ، قيل : يا أمير المؤمنين ما نعلم هذا ، قال : هو ماء جامد وهواء راكد ونار حائلة وأرض سائلة قالوا ما نفقه هذا ، قال : لو حل للمؤمنين من أهل الحكمة أن يكلموا الناس على غير هذا لعلمه الصبيان في المكاتب ا ه كلام الطغرائي باختصار.
وذكر في كتابه مفاتيح الرحمة ومصابيح الحكمة عن ستين نبيا وحكيما أنهم قالوا بحقية هذا العلم ، وفي القلب من صحة هذه الأخبار شيء ، والأغلب على الظن أنه لو كان في الكيمياء خبر مقبول عند المحدثين لشاع ولما أنكرها من هو من أجلتهم كشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية فإنه كان ينكر ثبوتها وألف رسالة في إنكارها ، ولعل رد الشيخ نجم الدين ابن أبي الذر البغدادي وتزييفه ما قاله فيها كما زعم الصفدي إنما كان فيما هو من باب الاستدلالات العقلية فإن الرجل في باب النقليات مما لا يجاريه نجم الدين المذكور وأمثاله وهو في باب العقليات وإن كان جليلا أيضا إلا أنه دونه في النقليات ، والمطلب دقيق حتى أن بعض من تعقد عليه الخناصر اضطرب في أمرها فأنكرها تارة وأقر بها أخرى ، فهذا شيخ الحكماء ورئيسهم أبو علي بن سينا سمعت ما نقل عنه أولا ، وحكي عنه الرجوع عنه ، وعلى جودة ذهنه وعلو كعبه في الحكمة بأقسامها لم يقف على حقيقة عملها حتى قال الطغرائي في تراكيب الأنوار ما ينقضي عجبي من أبي علي بن سينا كيف استجاز وضع رسالة في هذا الفن فضح بها نفسه وخالف الأصول التي عنده وقصر فيها عن كثير من الحشوية الطغام المظلمة الأذهان الكليلة الأفهام.
وقال في جامع الأسرار : إن الشيخ أبا علي بن سينا لفرط شغفه بهذا العلم وحدسه القوي بأنه حق صنف رسالة فيه فأحسن فيما يتعلق بأصول الطبيعيات ولخفاء طريق القوم واستعمائها دونه لم يذكر في التدابير المختصة بعلمنا لفظة صحيحة ولا أشار إلى ذكر المزاج الحق والأوزان والتراكيب المكتومة والنيران وطبقاتها والآلة التي لا يتم العمل إلا بها وهي أحد الشرائط العشرة ، ولم يتجاوز ما عند الحشوية من تدابير الزوابق والكباريت والدفن في زبل الخيل