الإيمان والعمل الصالح ، والتأنيث والإفراد باعتبار أنهما بمعنى السيرة أو الطريقة ، ومعنى تلقيها إما فهمها أو التوفيق للعمل بها (إِلَّا الصَّابِرُونَ) على الطاعات وعن المعاصي والشهوات ، ولعل المراد بالصابرين على القول الأخير في مرجع الضمير المتصفون بالصبر في علم الله تعالى فتدبر (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ).
روى ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن قارون كان ابن عم موسى عليهالسلام وكان يتبع العلم حتى جمع علما فلم يزل في ذلك حتى بغى على موسى عليهالسلام وحسده ، فقال موسى : إن الله تعالى أمرني أن آخذ الزكاة فأبى فقال : إن موسى عليهالسلام يريد أن يأكل أموالكم جاءكم بالصلاة وجاءكم بأشياء فاحتملتموها فتحتملوه أن تعطوه أموالكم ، قالوا : لا نحتمل فما ترى؟ فقال لهم : أرى أن أرسل إلا بغيّ من بغايا بني إسرائيل فنرسلها إليه فترميه بأنه أرادها على نفسها فأرسلوا إليها فقالوا لها : نعطيك حكمك على أن تشهدي على موسى أنه فجر بك. قالت : نعم. فجاء قارون إلى موسى عليهالسلام قال : اجمع بني إسرائيل فأخبرهم بما أمرك ربك. قال : نعم فجمعهم فقالوا له : بما أمرك ربك؟ قال : أمرني أن تعبدوا الله تعالى ولا تشركوا به شيئا وأن تصلوا الرحم وكذا وكذا ، وقد أمرني في الزاني إذا زنى وقد أحصن أن يرجم. قالوا : وإن كنت أنت؟ قال : نعم. قالوا : فإنك قد زنيت. قال : أنا؟ فأرسلوا إلى المرأة فجاءت ، فقالوا : ما تشهدين على موسى عليهالسلام؟ فقال لها موسى عليهالسلام : أنشدك بالله تعالى إلا ما صدقت ، فقالت : أما إذ أنشدتني بالله تعالى فإنهم دعوني وجعلوا لي جعلا على أن أقذفك بنفسي وأنا أشهد أنك بريء وأنك رسول الله فخر موسى عليهالسلام ساجدا يبكي فأوحى الله تعالى إليه ما يبكيك؟ قد سلطناك على الأرض فمرها تطعك فرفع رأسه فقال : خذيهم فأخذتهم إلى أعقابهم ، فجعلوا يقولون : يا موسى يا موسى فقال خذيهم فأخذتهم إلى ركبهم فجعلوا يقولون يا موسى يا موسى فقال : خذيهم فغيبتهم فأوحى الله تعالى يا موسى سألك عبادي وتضرعوا إليك فلم تجبهم وعزتي لو أنهم دعوني لأجبتهم وفي بعض الروايات أنه جعل للبغيّ ألف دينار ، وقيل : طستا من ذهب مملوءة ذهبا ، وفي بعض أنه عليهالسلام قال في سجوده : يا رب إن كنت رسولك فاغضب لي فأوحى الله تعالى إليه مر الأرض بما شئت فإنها مطيعة لك ، فقال : يا بني إسرائيل إن الله تعالى بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون فمن كان معه فليلزم ومن كان معي فليعتزل فاعتزلوا جميعا غير رجلين. ثم قال : يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب ثم إلى الأوساط ثم إلى الأعناق وهم يتضرعون إلى موسى عليهالسلام ويناشدونه الرحم وهو عليهالسلام لا يلتفت إلى قولهم لشدة غضبه ويقول خذيهم حتى انطبقت عليهم فأوحى الله تعالى يا موسى ما أفظك استغاثوا بك مرارا فلم ترحمهم أما وعزتي لو إياي دعوا مرة واحدة لوجدوني قريبا مجيبا ، وفي رواية أن الله سبحانه أوحى إليه ما أشد قلبك وعزتي وجلالي لو بي استغاث لأغثته ، فقال عليهالسلام : رب غضبا لك فعلت.
ثم إن بني إسرائيل قالوا : إنما فعل موسى عليهالسلام به ذلك ليرثه ، فدعا الله تعالى حتى خسف بداره وأمواله.
وفي بعض الأخبار أن الخسف به وبداره كان في زمان واحد ، وكانت داره فيما قيل : من صفائح الذهب وجاء في عدة آثار أنه يخسف به كل يوم قامة وأنه يتجلجل في الأرض لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة والله تعالى أعلم بصحة ذلك ، بل هو مشكل إن صح ما قاله الفلاسفة في مقدار قطر الأرض ولم يقل بأن لها حركة أصلا ، وأما الخسف فلا شك في إمكانه الذاتي والوقوعي وسببه العادي مبين في محله (فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ) أي جماعة معينة مشتقة من فأوت قلبه إذا ميلته ، وسميت الجماعة بذلك لميل بعضهم إلى بعض ؛ وهو محذوف اللام ووزنه فعة ، وقال الراغب : إنه محذوف العين فوزنه فلة وأنه من الفيء وهو الرجوع لأن بعض الجماعة يرجع إلى بعض و (مِنْ) صلة أي فما كان